بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الأبناء
· إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
· وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على النبى وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
· يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.
· يا آيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.
· يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
إخوة الإسلام.. عباد الله..
اهتمام الإسلام بالأبناء:
· لقد اهتم الإسلام بالإنسان اهتماماً بالغاً قال الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (الإسراء 70)
· ذلك أن الإسلام قد كفل لأتباعه أن يحيوا حياة سعيدة هانئة فى الدنيا، ثم سعادة سرمدية فى الآخرة، قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل 97)
· ذلك أن الله سبحانه هو خالق الإنسان ويعلم ما يصلحه "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الملك 14)
· والاهتمام بالشئ إنما يكون فى مراحله الأولى، فإذا ما أردت نباتاً صالحاً مثمراً قوياً، فلابد أن تتعاهده بالرعاية والعناية قبل أن تغرسه بأن تهيئ له البيئة المناسبة والتربة الخصبة، فإذا ما غرسته فعليك بعوامل تقويته وتغذيته وحماية من الأمراض والأوبئة وحمايته من عوامل الفساد جميعاً.. إلخ
· كذلك فتجد الاهتمام بالإنسان يبداً فى مراحله المبكرة.
نعمة البنين:
· البنون هم نعمة عظمى ومنة كبرى من الخالق عز وجل، نفهم ذلك من آيات القرآن الكريم وسنة النبى العظيم صلى الله عليه وسلم:
o يقول الحق تبارك وتعالى فى قصة الوليد بن المغيرة فى سورة المدثر: "ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13)" (المدثر 11-13)
o وفى قصة قوم شعيب عليه السلام حين يذكرهم نبيهم بنعم الله عليهم وما أمدهم من كثرة العدد:"وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ"(الأعراف 86)
o وفى قصة نوح عليه السلام، يعدُ قومه إن هم آمنوا وأطاعوا أن ينعم الله عليهم بالأموال وبالبنين: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)" (نوح 10-12)
o وعن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة" (رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط وإسناده حسن)
· وقد سجل الله سبحانه دعاء الأنبياء بالذرية الصالحة:
o فهذا نبى الله زكريا عليه السلام يناجى ربه: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" (الأنبياء 89)
o وأبو الأنبياء إبراهيم يشكر ربه إذ استجاب دعاءه ورزقه إسماعيل وإسحاق: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" (إبراهيم 39)
o ثم رزقه الذرية الصالحة: "وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" (هود 71)
مسئوليتنا:
· وقد حملنا الإسلام مسئولية تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة قويمة، وجعلها أمانة فى أعناقنا.. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم 6)
· وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسئولٌ عن رعيته، والإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ فى أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة فى بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها، والخادم فى مال سيده راع ومسئول عن رعيته" (البخارى)
ومن حقوق الأبناء:
الأب الصالح والأم الصالحة:
· فمن حق الابن على والديه أن يحسن كل منهما اختياره للآخر، ولهذا وردت الأحادث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فضل حسن اخيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح..
o فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك" (البخارى)
o وعن أبى أُمامة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله" (ابن ماجه)
o وفى تخير الزوج: يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ فى الأرض وفساد عريض" (ابن ماجه)
· ذلك أن الولد يستمد أخلاقه وشخصيته وصفاته وثقافته وسمته من أبيه وأمه وبيئته المحيطة به.. قال الشاعر:
وينشأ ناشئُ الفتيانِ منّا على ما كان عوّده أبوه
حق الابن فى الحياة الكريمة:
· جاء الإسلام وقتل الأولاد شائعاً عند بعض القبائل العربية، وأكثر ما يكون فى البنات، فأبطل الإسلام ذلك.
· قال تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" (الإسراء 31)
حق الابن فى الاسم الحسن:
· ذلك الطفل تتأثر شخصيته باسمه، وبين أقرانه، فلا يعيرونه باسمه.
· ولذلك فقد غير النبى صلى الله عليه وسلم أسماء بعض أصحابه، فغير اسم صاحبه الأول: من عبد الكعبة إلى عبد الله وهو عبد الله بن أبى قحافة، وكناه بالصديق. وغير حرب إلى سلم .. إلخ
· وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" (مسلم)، وقال: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" (أبو داود بإسناد حسن)
· ومن السنة أن يؤذن فى أذنه اليمنى عند ولادته ويقام فى اليسرى، وتذبح له العقيقة.
· كل ذلك من إكرام الوالد له، وشكره بنعمة الله عليه برزقه الولد.
حق الابن فى التربية البدنية:
· كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يدرب الطلائع على فنون المصارعة والقتال والرماية:
o فعن عقبة ابن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن القوة الرمى، ثلاثاً" (مسلم)
o وعن سلمة بن الأكوع رضى الله عنه قال: مر النبى صلى الله عليه وسلم على قوم ينتضلون فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان رامياً .. الحديث" (البخارى)
حق الابن فى الملاطفة والمداعبة:
· وذلك حتى ينشأ الولد شجاعاً، يثق فى نفسه، لا يهاب الناس، بل ينشأ وفيه نزعة حب الآخرين، والميل إلى نفع الناس..
· فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على وعنده الأقرع بن حابس التميمى جالساً فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحم" (البخارى)
· وإن كان النبى صلى الله عليه وسلم، ليسلم على الصبية وهم يلعبون فى الطريق، ويداعبهم، يقول أنس بن مالك رضى الله عنه: إن كان النبى صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لى صغير: "يا أبا عُمير ما فعل النغير" (البخارى)
· وربما أطال السجود حينما يمتطيه الحسن رضى الله عنه، فيسأله الصحابة رضى الله عن سبب إطالته السجود، فيقول: "ارتحلنى ابنى فكرهت أن أعجله" (أحمد) .. إلى غير ذلك كثير..
حق الابن فى التنشئة الدينية والعلمية الصالحة:
· فقد اهتم الإسلام بذلك أيما اهتماما.. قال تعالى: "وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الإسراء 24)
· وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم فى المضاجع" (سنن أبى داود)
· وكان النبى صلى الله على وسلم يهتم بتأصيل الإيمان الصحيح فى نفوس الأبناء، فعن عبد الله بن العباس رضى الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "يا غلام إنى أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجاهك إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" (الترمذى)
· بل كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم الذوق والأداب الحسنة، فعن وهب بن كيسان قال: أُتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبى سلمة فقال: "سم الله وكل مما يليك" (البخارى)
· عَن أَنَس بن مالك قال: أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال قال: "يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك وسلم على من لقيت من أمتي تكثر حسناتك ، وإذا دخلت ، يعني : بيتك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك ، يا أنس : ارحم الصغير ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة" (البزّار)
العدل بين الأبناء:
· وهذا من أهم النواحى النفسية التى تؤثر سلباً أو إيجاباً على الطفل..
· فعَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. (البخارى)
اليتيم:
· ولكن مَن لليتيم؟
· قال تعالى: " فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ " (الضحى : 9)
· وقال عز وجل: "كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (الفجر : 17)
· وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين يشير بإصبعيه" (الأدب المفرد)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق