الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

فقه الأولويات

بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الأولويات
·       إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
·       وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على النبى وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
·       يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.
·       يا آيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.
·       يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.

أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.

إخوة الإسلام.. عباد الله..
·       إن من المفاهيم الهامة فى الإسلام.. والتى ينبغى على كل مسلم أن يُدركها ويعيها ويفطنَ إليها.. حتى يسير بسلامة ربانية فى هذه الحياة الدنيا، وحتى يحقق مراد الله عز وجل فى أحسن صورة.. فقه الأولويات..
·       قال الله تعالى: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)" (آل عمران)

ما هو فقه الأولويات؟
·       هو وضع الشئ فى نصابه، ومكانه ودرجته.
·       أى هو ميزان الأعمال الأولى فالأولى..
·       فلا نقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، ولا المفضول على الفاضل..
·       بل نقدم ما حقُهُ التقديم، ونؤخر ما حقه التأخير، ولا نكبِّر الصغير، ولا نهوّن الخطير، بل نضع كل شئ فى موضعه.. قال تعالى: "وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)" (الرحمن)
·       وأساس هذا: أن القيم والأحكام والأعمال والتكاليف متفاوتة فى نظر الشرع تفاوتاً بليغاً، وليست كلها فى مرتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأصلى ومنها الفرعى، ومنها الأركان ومنها المكملات.
والنصوص تؤيد ذلك:
ففى القرآن الكريم:
·       يقول الله عز سلطانه: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)" (التوبة)
·       وقوله عز وجل: "لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)" (النساء)
·       وقوله تعالى: ".. وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)" (النور)
·       وقوله سبحانه: " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)" (النساء)
وفى السنة المطهرة:
·       أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
·       كما أخرج الإمام أحمد رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ؟ " قَالُوا: بَلَى قَالَ: " إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ: وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ "
·       كما أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا.
·       كما أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ.
·      كما أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ».
·      كما أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَتْ اللَّهُمَّ لَا يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وُجُوهِ الْمَيَامِيسِ وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ قَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ قَالَ جُرَيْجٌ أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي قَالَ يَا بَابُوسُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ رَاعِي الْغَنَمِ.
وفى هذا درس لأهمية فقه الأولويات، فهل التنفل أولى أو طاعة الأم..
والمياميس: جمع مومس         بابوس: اسم الولد فى ذلك الزمان.
·       وأخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ
·       وأخرج الحاكم فى المستدرك بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلى الله عليه و سلم إن فلانة تصوم النهار و تقوم الليل و تؤذي جيرانها بلسانها فقال : لا خير فيها هي في النار قيل : فإن فلانة تصلي المكتوبة و تصوم رمضان و تتصدق بأثوار من إقط و لا تؤذي أحدا بلسانها قال : هي في الجنة
·       وفى الحديث القدسى الذى أخرجه الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ

من هذه النصوص وغيرها استنبط العلماء المجتهدون مراتب الأحكام من ركن وواجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام..

وحالنا تجاه فقه الأولويات يُرثى له:
·       فمن نظر إلى حياتنا فى جوانبها المختلفة مادية كانت أو معنوية.. وجد ميزان الأولويات فيها مختلاً كل الاختلال.
·       فبدءاً من تنحية أحكام الشريعة، وتعطيلها عن العمل، قال تعالى: "..إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ.." (الأنعام، يوسف)، وقال عز شأنه: ".. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)" (المائدة)، ومروراً بالأمور التعبدية إلى شتى مناحى الحياة المختلفة.. نجد فقه الأولويات غائباً.
·       فما يتعلق بالفن والترفيه مقدم أبداً على ما يتعلق بالعلم والتعليم.
·       وفى الأنشطة الشبابية نجد الاهتمام بالرياضة البدنية مقدماً على رياضة العقول، فهل الإنسان بجسمه أو بعقله وروحه؟؟
·       إن نجوم المجتمع وألمع الأسماء فيه ليسو العلماء ولا الأدباء ولا أهل الفكر والدعوة.. بل الفنانين والفنانات من أهل الفاحشة والعرى والمجون.

إخلال المتدينين اليوم بفقه الأولويات:
·       لا يقف الإخلال بالأولويات اليوم عند جماهير المسلمين، أو المنحرفين منهم، بل الإخلال واقع من المنتسبين إلى التدين ذاته، وذلك لفقدان العلم والفقه.
·       كثيراً ما نرى مثل هؤلاء.. مع إخلاصهم.. يشتغلون بمرجوح العمل وينهمكون فى المفضول ويتركون الفاضل.
·       فمنهم من ينففق الأموال لبناء مسجد فخم فى حى مليئ بالمساجد.. فإذا طالبتهم ببذل شئ من النفقات لسد حاجة فقير أو لطلاب العلم أو نشر العلم أو للمجاهدين تذرع لك بأى ذريعة.. فعندنا بناء الأحجار خير من بناء الرجال.
·       وترى أكثر الحجيج 80% من الحجيج يحجون حج النافلة أى للمرة الثانية والثالثة.. ويتركون الواجبات كالجهاد بالمال ومقاومة الكفر والإلحاد والعلمانية والتحلل.
·       فليت الذين يتطوعون بالحج والعمرة يبذلون نفقاتهما فى سبيل الله.. فى إنقاذ أنفس بشرية فى أفريقيا وآسيا من شبح المجاعة ونقص المالء ومقاومة التنصير.
·       رأينا متدينين يقيمون المعارك التى يحمى وطيسها من أجل مسائل جزئية أو خلافية، مهملين معركة الإسلام الكبرى مع أعدائه الحاقدين عليه والكارهين له والطامعين فيه والخائفين منه والمتربصين به.
·       رأينا من يشغل نفسه بأمور شكلية:
o     كلبس الثوب الأبيض واجب أو سنة؟
o     ودخول المرأة المسجد حلال أو حرام؟
o     والأكل على المنضدة هل يدخل فى التشبه بالكفار أو لا؟
o     وهل يجوز خط خطاً فى المسجد لانتظام الصفوف أو هذا من البدع المنكرة؟

ومما وقع فيه المسلمون فى عصور الانحطاط ولا زال قائماً إلى اليوم:
·       أنهم أهملوا إلى حد كبير فروض الكفاية:
o     كالتفوق العلمى والصناعى والحربى الذى يجعل الأمة مالكة لأمر نفسها وسيادتها.
o     ومثل الاجتهاد فى الفقه واستنباط الأحكام.
·       كما أهملوا بعض الفرائض العينية:
o     مثل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى قدَّمَها القرآن على الصلاة والزكاة فى وصف المجتمع المؤمن.. قال الله عز وجل: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)" (التوبة)، وجعلها السبب الأول فى خيرية الأمة.. قال سبحانه: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .. (110)" (آل عمران).
·       واهتموا بعض الأركان أكثر من بعضها:
o     فاهتموا بالصوم أكثر من الصلاة واهتموا بالصلاة أكثر من الزكاة، مع أن الله سبحانه قرن بينهما فى كتابه العزيز فى اثنين وثمانين موضعاً، فهى صنو الصلاة، وقد قاتل الصديق رضى الله عنه فى أحرج أوقات الأمة مانعى الزكاة، وقال قولته المشهورة: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة.
·       واهتموا ببعض النوافل أكثر من اهتمامهم بالفرائض والواجبات:
o     كما هو ملاحظ عند كثير من المتدينين الذين أكثروا من الأذكار والتسابيح والأوراد، ولم يولوا هذا الاهتمام لكثير من الفرائض وخصوصاً الاجتماعية، مثل بر الوالدين وصلة الأرحام والرحمةة بالضعفاء والأرامل واليتامىى ومقاومة الظلم.
·       واهتموا بالعبادات الفردية عن العبادات الجماعية:
o     فاهتموا بالعبادات الفردية كالصلاة والذكر أكثر من اهتمامهم بالعبادات الجماعية التى يتعدى نفعها كالجهاد والفقه والإصلاح بين الناس والتعاون على البر والتقوى والتواصى بالصبر والمرحمة، والدعوة إلى العدل والشورى وحماية المستضعفين.
·       واهتم كثير من الناس بفروع الأعمال، وأهملوا الأصول:
o     يقول الأقدمون: من ضيع الأصول حُرم الوصول، فأغفلوا أسس البناء وهى العقيدة والإيمان والتوحيد وأخلاص الدين لله.
·       اشتغالهم بمحاربة المكروهات أو الشبهات أكثر من اشتغالهم بحرب المحرمات:
o     ومثل ذلك: الاشتغال بما اختلف فى حله وحرمته عما هو مقطوع بحرمته، وهناك أناس مولعون بهذه الخلافات مثل مسائل التصوير والغناء والنقاب ونحوها فى حين يغفلون عن القضايا المصيرية الكبرى التى تتعلق بوجود الأمة وبقائها على الخريطة.
هذا الخلل الكبير الذى أصاب أمتنا اليوم فى معايير أولوياتهان حتى أصبحت تصغر الكبير أو تكبر الصغير، تعظم الهين، وتهون الخطير، تؤخر الأول وتقدم الأخير، وتهمل الفرض وتحرص على النفل، تكترث للصغائر وتستهين بالكبائر، وتعترك من أجل المختلف فيه وتصمت عن تضييع المتفق عليه.

ومن الأولويات فى الإسلام:
أولوية الكيف على الكم:
·       من الأولويات المهمة شرعاً: تقديم الكيف والنوع على الكم والحجم، فليس العبرة بالكثرة فى العدد ولا بالضخامة فى الحجم إنما المدار مع النوعية والكيفية.
·       لقد ذمَّ القرآن الأكثرية إذا كان أصحابها ممن لايعقلون أو لايعلمون أو لايؤمنون أو لايشكرون: ".. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)" (البقرة)، "بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)" (النحل)، "بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)" (العنكبوت)، وقال سبحانه: "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ..(116)" (الأنعام)
·       فى حين مدح القلة المؤمنة العاملة الشاكرة، قال تعالى: ".. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ .. (24)" (ص)، وقال عز جاهه: "..وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)" (سبأ)
·       والحديث: "تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.." (مصنف عبد الرزاق)، فإن النبى صلى الله عليه وســلم لن يباهى الأمم بالجهلة ولا الفسقة ولا الظالمين.
·       وأخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى فى صحيحه عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ».


أولوية العلم على العمل:
·       فالعلم يسبق العمل وهو دليله ومرشده.
·       قال تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)" (محمد) فالعلم أولاً والاستغفار وهو عمل ثانياً.

أولوية الفهم على مجرد الحفظ:
·       قال تعالى: "..فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)" (التوبة)
·       كما أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عن معاوية رضى الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ.

أولوية المقاصد على الظواهر:
·       قال تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)" (آل عمران)
·       وقد بين علماؤنا أن المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية هى:
1.   حفظ الدين.
2.   حفظ النفس.
3.   حفظ العقل.
4.   حفظ النسل (العرض والكرامة).
5.   حفظ المال.



أولوية الاجتهاد على التقليد:
·       قال تعالى: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)" (الإسراء).

أولوية التخفيف والتيسير على التشديد والتعسير:
·       قال الله تعالى: "..يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ .. (185)" (البقرة)، وقال سبحانه: ".. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .. (78)" (الحج).
·       كما أخرج البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا.
·       وأخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.

أولوية العمل الدائم على العمل المنقطع:
·       أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ.
·       كما أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَتْ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلاَّ رَمَضَانَ.


أولوية العمل المتعدى النفع على القاصر:
·       أخرج الطبرانى فى الأوسط عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس.

أولوية عمل القلب على عمل الجوارح:
·       كما فى حديث النيات: "إنما الأعمال بالنيات" (البخارى)
·       وفى حديث النعمان بن بشير: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" (البخارى)
·       والمرء قد لا تمكنه أحواله من بلوغ كثير من الطاعات، ولذلك قالوا: نية المرء أبلغ من عمله.

وفقنا الله لما يحب ويرضى،،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم،،

المراجع:
·       القرآن الكريم                                  كتاب رب العالمين
·       كتب سنن النبى صلى الله عليه وسلم           المكتبة الإلكترونية الشاملة
·       فقه الأولويات                                  د. يوسف القرضاوى

(الراجى عفو ربه سبحانه وتعالى: محمود الشاعر  غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين)

0 التعليقات:

إرسال تعليق