بسم الله الرحمن الرحيم
"وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"
صدق الله العظيم
مهجة الأحباب
فى معرفة
أمثال الكتاب
الراجى عفو ربه، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين
محمود محمد الشاعر
(1431 هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقــدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
وبعد،
· فإن الله عز وجل وقد أنعم علينا بنعم لاتُعد ولاتُحصى، ومن أعظمها أن هدانا لهذا الدين الحق، دين الإسلام، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، وكان أن حبانا بأن بعث فينا رسولنا محمداً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأيده بأعظم معجزة، وأغلى هدية، وأثمن كنز، وهو القرآن الكريم.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (البخارى)
· قال تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)" (سورة الزمر)
· هذا الكتاب الذى: "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)" (سورة فصلت)
· قال سبحانه: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)" (سورة الحشر)
· وقد تحدى الله تعالى به أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان لما فيه من سحر وعذوبة منطق وحديث.. قال عز سلطانه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)" (سورة الإسراء)
· هذا الكتاب الذى لاتفنى غرائبه ولا تنقضى عجائبه ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الردّ.
· سمعته الجنُّ فقالوا: ".. إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)" (سورة الجن)
· كان المشركون يتواصون بعدم الاستماع إليه حتى لا يأخذ بألبابهم ويأسر عقولهم وقلوبهم، وهم الذين قالوا: "..لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)" (سورة فصلت) ثم لايلبثون أن يفتضح أمرهم بأن يلتقوا فى الظلام وهم يتسمعون للقرآن لجماله وحلاوته.
· قال عكرمة: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الوليد بن المغيرة "إن الله يأمر بالعدل والاحسان" إلى آخرها، فقال: يا بن أخى أعد ! فأعاد عليه فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لمورق، وأعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر !.
أمثال القرآن:
· ومن عجائب القرآن وغرائبه التى عنى بها العلماء والسابقون موضوع الأمثال.. وأفردها بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماوردى وغيره، وقال: من أعظم علم القرآن علم أمثاله، والناس فى غفلة عنه.
· وقد عدّها الشافعى مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن.
· فالأمثال هى نعمة كبيرة من الله عز وجل.. حيث إنها: تقرب المعنى إلى الذهن فتجعله حاضراً، وتأتى بالحكمة وخلاصة القول فى كلمات معدودة وصور محدودة، فيتضح المبهم، كما تأسر الألباب بحلاوتها ومنطق حكمتها، بما فيه صلاح العباد ونجاحهم فى الدنيا والآخرة.
· فهى منتهى الحكمة، قال تعالى: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)" (سورة البقرة)
· قال جلت حكمته: "وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)" (سورة الزمر)
· وقال سبحانه: "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)" (سورة العنكبوت)
· أخرج البيهقى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال.
وقد قسّم العلماء أمثال القرآن إلى قسمين:
1. قسمٌ مصرح فيه بذكر المثل:
· وذلك مثل قوله تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا.." (سورة الجمعة: 5)
· وككقوله تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)" (سورة النور)
· وككقوله سبحانه: "وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ.." (سورة فاطر 12)
2. قسمٌ طوى فيه المثل، وجاء كالقول السائر الذى له شأن وغرابة.. وهو الذى تذهب إليه النفس أول ما تذهب عند إطلاق لفظ الأمثال: وأمثلته فى القرآن كثيرة:
· كقوله تعالى: "لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)" (سورة النجم) ويضرب لعظم الحالة وبلوغ الطامة.
· وكقوله سبحانه: "..الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ.. (51)" (سورة يوسف) ويضرب لظهور الحق بعد خفائه.
· وكقوله عز وجل: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)" (سورة الرحمن) ويضرب لطمأنة المحسنين على حسن الجزاء.
· وكقوله عز سلطانه: "آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ..(91)" (سورة يونس) ويضرب لمن حاول العمل بعد فوات الأوان.
· وكقوله تباركت أسماؤه: "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ..(43)" (سورة فاطر)
هذا الكتاب:
· وهذا الكتاب يعنى بأمثال القسم الأول، وهو يعرض للمثل الذى ضربه الله تعالى، ويقوم بشرح مبسط وقد يستشهد بآيات من القرآن الكريم أو أحاديث النبى العظيم صلى الله عليه وسلم وذلك فى إخراج جديد.
· ولا أزعم أننى قد أتيت بأمثال القرآن الكريم فى هذا القسم أو أكثرها فهذا أمر ضخم عظيم الشأن.
· والله أسأل أن أكون قد وفقت إلى ما يحبه ويرضاه، فهو الغفور الكريم ذو الرحمة.
· كما أسأله أن ينفع به وأن يتقبله منى وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
· وأن يجعلنا جميعاً من أهل القرآن.. الذين هم أهل الله وخاصته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ وَإِنَّ أَهْلَ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ" (مسند الإمام أحمد)
· وعن عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" (شُعب الإيمان)
· رزقنا الله سبحانه العلم بالقرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ورزقنا العيش فى جوارهما والموت عليهما.. إنه ولىُّ ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الراجى عفو ربه، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين
محمود محمد الشاعر
هاتف: 2947920/011
(القاهرة: صفر 1431 هـ)
من أمثال القرآن..
المنافقـون..
"مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ"
· ظهر النفاق فى المدينة مع هجرة النبى صلى الله عليه وسلم ومع ازدياد عدد المسلمين، وبروز نجمهم فى بدر وهزيمتهم قريشاً، كذلك فقد أظهر بعض اليهود الإسلام وأبطن الحقد والحنق على الدين الجديد ولايزالون حتى كانت فتنة عبد الله بن السبأ ومقتل ذى النورين سيدنا عثمان رضى الله عنه.. ولا زال النفاق ينخر فى الكيان الإسلامى يوالى الأعداء ويحارب الأولياء الأصفياء ..
· ولذلك فقد حذرنا الله سبحانه شرَّهم وبين فى بداية كتابه العزيز صفاتهم تأكيداً على خطرهم..
· قال عز سلطانه: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)" [البقرة]
· هذا لون من المنافقين ضرب الله تعالى لهم مثلاً بمن أشعل ناراً لينتفع بها فى ليله الحالك، فلما أضاءت النار ما حوله ورأى من الضياء والسناء سرعان ما انطفأت وصار يتخبط فى دياجير الظلمة والحيرة.
· وما ذاك إلا أنه عرف الحق ثم حاد عنه، وأعرض فخسر دنياه وآخرته.
· ومثلٌ آخر، يقول تعالى: " أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) [البقرة]
· وهذا صنف آخر من المنافقين آمن وتعرف نور الحق فانتفع به ثم نكص على عقبيه ثم استضاء بنور الحق ثم ارتد..
وقد أطلعنا الله عز وجل فى سور عديدة على صفاتهم وتصرفاتهم، أعاذنا الله من النفاق وأهله.
من أمثال القرآن..
المقلدون..
"وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً"
· التقليد آفة عظيمة، وهو تعطيل لنعمة العقل، وموهبة الإدراك.
· والمقلدون الذين ألغوا مداركهم وأفهامهم، فلم يتفكروا فى ملكوت السموات والأرض.
· قال تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (البقرة: 170)
· فالإسلام هو دين العقل والعلم، ويكفى أن أول تعاليمه هى الحث على القراءة وطلب العلم، قال تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)" [العلق : 1 - 5]
· وقد نعى القرآن الكريم على المقلدين، وقد ضرب الله سبحانه المثل لأولئك السائرين كالأنعام إلى ما يصدره راعيهم من أصوات دون فكر وتدبر.. قال تعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" [البقرة : 171]
· وقد وجهنا رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى تحرير الأفهام ونبذ الاتباع الأعمى، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"لا يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً"، قَالُوا: وَمَا الإِمَّعَةُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: يَقُولُ:"إِنَّمَا أَنَا مَعَ النَّاسِ إِنِ اهْتَدَوا اهْتَدَيْتُ، وَإنْ ضَلُّوا ضَلَلْتُ، أَلا لَيُوَطِّنُ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ عَلَى إِنْ كَفَرَ النَّاسُ أَنْ لا يَكْفُرَ". (الطبرانى)
· وهذا ما يقودنا إلى ضرورة المبادرة إلى التغيير، وأنه لابد من التطوير والإبداع..
قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد : 11]
من أمثال القرآن..
يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ"
· كان المؤمنون فى بدء الدعوة قلة مستضعفة تتناوشهم الخطوب، وتزلزل أركانهم المحن، ولاسيما وهم حديثو عهد بالإسلام.. فاقتضت حكمة الله عز وجل أن تمدَّ هؤلاء المستضعفين وقوداً يستمدون منه القوة، وزاداً يستعينون به على تمكين الإيمان فى نفوسهم.
· من أجل ذلك اتجهت بعض آيات الكتاب العزيز إلى ضرب الأمثلة للؤمنين، تخبرهم أن الابتلاء ليس مقصوراً عليهم وحدهم، بل إن إخوانهم من المؤمنين فى الأمم السابقة كانوا أشد إيذاءً فى سبيل دينهم وما زادهم البلاء إلا قوة وصلابة فى إيمانهم.
· ولازالت الخطوب تتجاذب المؤمنين الأولين حتى فى العهد المدنى، يصنعهم الله سبحانه على عينه، ويربيهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
· وفى كل زمان ومكان، فالمؤمن الصادق مبتلى، فطريق الدعوة ليس مفروشاً بالورود والرياحين وإنما مملوء بالأشواك والمحن..
· قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
· "الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)" [آالعنكبوت]
· وقال سبحانه: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)" [آل عمران : 142]
· وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ" (البخارى)
· وعن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.." (الأحاديث المختارة للضياء المقدسى)
· والمثل الذى معنا من سورة البقرة، يقول الله عز وجل: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)" [البقرة : 214]
ولا جَرَمَ فالمؤمنون أصحاب رسالة وهم مضحون فى سبيلها، فتبعاتهم أكثر ومسئولياتهم أخطر، قال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)" [العنكبوت : 69]
من أمثال القرآن..
الكريم لا يُضام..
"مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ.."
· المثل الذى معنا هو آية كريمة من سورة البقرة، يضرب الله عز وجل به للإنفاق والإحسان فى سبيله سبحانه حتى يتصور الناس كم يكافئ الله تعالى الإحسان بأضعاف لا حد لها.. وكيف لا؟! وهو الكريم ذو المن والإنعام.
· يقول الله تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 261)
· ويقول تعالى شأنه: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة 274)
· ويقول عز سلطانه: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ 39)
· وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" (البخارى) فلوَّه: مُهره، صغير الفرَس.
· وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا" (مسلم)
· وعنه أيضاً عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِى سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِى حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ (مسيل الماء) مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِى حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِى السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِى عَنِ اسْمِى فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ صَوْتًا فِى السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا قَالَ أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّى أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِى ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ" (مسلم)
· وقد حذرنا النبى صلى الله عليه وسلم من الشّح وهو البُخْل، فعن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم" (مسلم)
من أمثال القرآن..
مثل عيسى.. عليه السلام..
"إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"
· يسوق القرآن الكريم مثلاً لهؤلاء الذين أنكروا إنسانية عيسى عليه السلام، متعللين بأن خلقه لم يكن وفق السنن الطبيعية، فقد خُلق من غير أبٍ.
· ويرد الله سبحانه عليهم فى هذا المثل فإنه لا غرابة فى ذلك، فإن كان عيسى عليه السلام قد خُلق من غير أب، فإن آدم عليه السلام قد خُلق من غير أب ولا أم فهذا أعجب.
· قال الله عز وجل وتباركت أسماؤه: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" [آل عمران : 59]
· ومنشأ هذا أن وفد نصارى نجران أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا؟
قال: من هو؟
قالوا: عيسى، تزعم أنه عبد الله.
قال: هو عبد الله وروحه وكلمته.
قالوا: لا ولكنه هو الله، نزل من ملكه فدخل فى جوف مريم، ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره، فهل رأيت إنساناً خُلق من غير أب؟
فإنزل الله عز وجل: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ.. الآية"
· والنصارى إنما كفروا بالله عز وجل وأشركوا به لأنهم نعتوا المخلوق وهو عيسى بن مريم بنعوت الخالق فجعلوا له مالا يليق إلا بالخالق، وكذلك كفر اليهود الذين نعتوا الخالق بصفات المخلوق، فقالوا: "إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ" [آل عمران : 181]، وقالوا: "يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا" [المائدة : 64]
· قال الله تعالى: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) [المائدة : 17]
· وقال عز وجل: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ .." [المائدة : 73]
وقال الله تعالى: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) [مريم : 88 - 92]
من أمثال القرآن..
إنفاق الكافرين وأعمالهم..
"مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.." ، "مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ.."
· إن الإيمان بالله وحده والإخلاص له فى السراء والضراء فى السر والعلانية لهو سبيل قبول الأعمال عنده عز وجل.
· ولذلك فإننا نرى كفاراً يقيمون مشروعات للخير وينفقون من أموالهم فى خدمة الإنسانية إلا أنهم يصرون على الكفر يسارعون فيه سادرون فى الجحود والنكران.
· فمثل نفقتهم هذه كمثل ريح فيها برد شديد أصابت زرع قوم عاصين طاغين قد أملوا إدراكه ورجوا نفعه فأهلكت الريح زرعهم جزاء ما كسبت أيديهم.
· قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)" [آل عمران]
· وفى سورة إبراهيم: "مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)" [إبراهيم : 18]
· وفى سورة النور: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)" [النور : 39]
· وفى سورة الفرقان: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)"
[الفرقان : 23]
· وفى ختام سورة الكهف توضيح وبيان لمعيار قبول الأعمال عند المولى سبحانه وتعالى وسبيل النعيم المقيم .. قال تعالى: ".. فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) [الكهف : 110]
· كذلك فى سورة طه: "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)"
· ولذا فقد قال العلماء: إنه يلزم لقبول العمل أمران: أن يكون خالصاً لوجه الله وحده، وأن يكون موافقاً لهدى النبى صلى الله عليه وسلم.
· قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)" [التوبة]
· ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات.." (متفق عليه)
· عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». (مسلم)
من أمثال القرآن..
ظلام ونور..
"أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ"
· فى سورة الأنعام.. ومن رحمة الله بنا.. أن بين لنا سبحانه وتعالى ما أحل لنا وما حرّم علينا من المطعومات.. قال تعالى: "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)"
[الأنعام : 119 - 123]
· وجاء فى تفسير ذلك: أن المشركين حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتة، وتحليله للمذكاة، وكانوا يستحلون أكل الميتة.. قالوا: معاندة لله ورسوله، ومجادلة بغير حجة ولا برهان: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟ يعنون بذلك الميتة.
· وهذا رأى فاسد، لايستند إلى حجة ولا دليل بل يستند إلى آرائهم العليلة التى لو اتبعها الحق لفسدت السموات والأرض ومن فيهن.. ففرق كبير من المذبوحة شرعياً، والميتة التى ينحبس الدم بداخلها ويكوّن بيئة خصبة لتكاثر أنواع من الجراثيم والميكروبات تتسبب فى فساد اللحم وتكون سبباً فى كثير من الأمراض الفتاكة.
· ولا تستغرب آرائهم الفاسدة الصادرة عن وحى أوليائهم من الشياطين، الذين يريدون أن يضلوا الخلق عن دينهم، ويدعونهم ليكونوا من أصحاب السعير.
· وإن أطعتموهم فى شرككم وتحليلهم الحرام وتحريمهم الحلال إنكم لمشركون لأنكم اتخذتم أولياء من دون الله، قال تعالى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.." [الشورى : 21]
· "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" : أفمن كان من قبل هداية الله له ميتاً فى ظلمات الكفر والجهل والمعاصى فأحييناه بنور العلم والإيمان والطاعة، بهل يستوى بمن هو فى الظلمات والغى.
من أمثال القرآن..
من رأى آيات الله ثم أعرض عنها..
"فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ"
· إنها لصورةٌ قبيحةٌ ومثلٌ دنئ.. ذلك العالِم الذى آتاه الله علماً فعرف آياته وخبر هداه، ذلك الذى أحاطت به الآيات من كل جانب.. - وفى كل شئ له آية تدلُّ على أنه الخالقُ - ثم انحرف عن كل ذلك ليلهث وراء شهوة عاجلة أو دنيا زائلة أو متاع رخيص.
· إن مثله عند الله كمثل الكلب فهو وضيع فى كل أحواله إن أنعمت عليه وإن تركته، فهو دائماً يلهث يخرج لسانه فى هزل وإعياء.
· قال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)"
[الأعراف : 175 - 179]
· وفى صحيح البخارى: عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ"
· قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)" (سورة الصف)
من أمثال القرآن..
المكذبون والمصدقون..
"مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"
· فى سورة هود يبين الله سبحانه ويضرب مثلاً للكافرين المعاندين وللمؤمنين الصادقين..
· يقول عز سلطانه: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24) [هود : 18 - 24]
· نعم فلا أحدٌ أشد ظلماً ممن كذب على الله تعالى فنسب إليه ما لا يليق به سبحانه كالشريك والولد، أو وصفه بما لايجوز وصفه به، أو أخبر عنه بما لم يقله، فهؤلاء أعظم الناس ظلماً وأشدهم جرماً.
· أولئك الكاذبون يعرضون على ربهم فيحاسبهم على أعمالهم وهم متلبسون بشهادة الأشهاد عليهم.
· فهم يستحقون الطرد والعياذ بالله من رحمة الله التى وسعت السموات والأرض جزاء صدهم وإعراضهم وصرفهم الناس عن عبادة ربهم جل علاه، فهم يريدونها معوجة حسب أهواءهم منكرين الآخرة والبعث والجزاء.
· فهؤلاء لم يكونوا ليفلتوا من عقاب الله سبحانه وعذابه فى الدنيا ولا فى الآخرة، وليس لهم أنصار ينفعونهم ويمنعونهم من عذاب الله تعالى إذا ما أراده بهم.
· هؤلاء فقدوا القدرة على السمع والبصر فأغلقوا نوافذ المعرفة. كما قال سبحانه: "فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)" [المدثر : 49 - 51]
· أولئك جنوا على أنفسهم فأوقعوها فى الخسران المبين، ولم ينفعهم شركاؤهم من دون الله.
· فلابد أنهم فى الآخرة أشد الناس خسراناً فقد استبدلوا أماكنهم التى أعدت لهم فى الجنة بأخرى من جحيم وعذاب مقيم.
· وعلى النقيض من ذلك فإن المؤمنين الموحدين الصادقين الخاضعين لريهم المطمأنين إلى عبادته وحسن ثوابه أولئك سوف ينعمون فى جنات هم فيها خالدون.
· فكل هؤلاء الكفار المكذبون وأولئك المؤمنون الصادقون كمثل الأعمى الأصم الذى لايرى ولايسمع فهو يتخبط فى الضلال والبصير السميع الذى يرى الأشياء ويسمع ويعى ما حوله فلا يضيره شئ فكذلك المؤمن.
· لايستويان مثلاً حالاً وصفةً.
· وفى تشبيه آخر: يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" [الأعراف : 179]
· والنتيجة:
"لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ" [الحشر : 20]
من أمثال القرآن..
الحق والباطل..
"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ"
· يضرب الله عز وجل المثل للحق ورسوخه ونفعه للناس، والباطل فى ضعفه وزواله: "أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) [الرعد : 17]
وجاء فى مختصر ابن كثير رحمه الله تعالى: اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه ، والباطل في اضمحلاله وفنائه ، فقال تعالى : { أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً } أي مطراً ، {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } أي أخذ كل وادٍ بحسبه ، فهذا كبير وسع كثيراً من الماء ، وهذا صغير وسع بقدره ، وهو إِشارة إلى القلوب وتفاوتها ، فمنها ما يسع علماً كثيراً ، ومنها من لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ، { فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً } ، أي فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عالٍ عليه؛ هذا مثل ، وقوله : {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ} الآية؛ هذا هو المثل الثاني وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة { ابتغآء حِلْيَةٍ } أي ليجعل حلية أو نحاساً أو حديداً فيجعل متاعاً ، فإنه يعلوه زبد منه ، كما يعلو ذلك زبد منه ، { كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل } ، أي إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ويضمحل ، ولهذا قال : { فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً } أي لا ينتفع به بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي ، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح، وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب ولا يرجع منه شيء ولا يبقى إلا الماء، وذلك الذهب ونحوه ينتفع به ، ولهذا قال : { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال } ، كقوله تعالى : { وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون } [ العنكبوت : 43 ] . وقال بعض السلف : كنت إذا قراتُ مثلاً من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله تعالى يقول : { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون } [ العنكبوت : 43 ] ، قال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ، فأما الشك فلا ينفع معه العمل ، وأما اليقين فينفع الله به أهله ، وهو قوله : { فَأَمَّا الزبد } وهو الشك { فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض } وهو اليقين ، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار ، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .
من أمثال القرآن..
الجنـة.. وعدنا الله إياها..
"مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ.."
· غاية كل مؤمن هو رضا الله عز وجل، وإنعامه، والفوز بجنته.. "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)" [مريم : 63]
· ذلك أنه شاءت سنته الحكيمة فى خلقه أن لكل نتيجة مقدمات، والشئ يدل منتهاه على مبدأة، والجزاء من جنس العمل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
· وفى سورة الرعد ذكر الله تعالى عقاب الكفار فى الدنيا والآخرة، فقال عز شأنه: "لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)" [الرعد : 34]
· ثم عقّب سبحانه قائلاً: "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) [الرعد : 35]
· وذلك لبيان ثواب المتقين فى الآخرة، والمقارنة بين عاقبتهم وعاقبة الكافرين.
· هذه صفة الجنة التى وعدها الله عباده المتقين، وحالتها العجيبة الشأن: أنها تجرى من تحت أشجارها وقصورها الأنهار وبين جوانبها وحيث شاء أهلُها.. كما قال سبحانه وتعالى: "يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا" [الإنسان : 6] فهم يصرفونها حيث شاءوا وكيفما أرادوا.
· وثمرها باق لا ينقطع فى أى وقت من الأوقات، وظلالها باقية لا تنحسر، مع اعتدال مناخها وطيب هوائها.
· فشتان بين العاقبتين، عاقبة المؤمنين وعاقبة الكافرين.
· وفى سورة محمد صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) [محمد : 15]
· ولك أن تعيش فى وصفها وما أعده الله للمؤمنين فيها فى سورة الرحمن، وفى سورة الواقعة والإنسان.
وفى سورة الزخرف: "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)" [الزخرف].
من أمثال القرآن..
الكلمة الطيبة..
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ.."
· الكلمة الطيبة فى رسوخها وشموخها ونفعها للناس كالشجرة القوية الثابتة بما تؤتى من ثمارها وخيرها.
· الكلمة الطيبة لاتعصف بها رياح الباطل، ولاتقوى عليها معاول الطغيان، وإن بدا للبعض خلاف ذلك.
· تعالوا سوياً نستمع إلى هذه الآيات البينات من سورة إبراهيم: يقول تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)" (سورة إبراهيم)
· إن أعظم كلمة فى الوجود هى كلمة الحق والصدق، والإقرار والتعظيم لخالق الأرض والسموات.
· إن لكلمة التوحيد والإذعان لخالق الأرض والسموات، تأثير عجيب فلازالت تصنع المعجزات بإذن الله
· قال تعالى: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" [فاطر : 10]
· أما الكلمة الخبيثة والعياذ بالله فهى كلمة الكفر والكذب والزور والبهتان.. قال تعالى: "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور" [الحج : 30]
· وفى مقابلة كلمة الإيمان والتقوى بكلمة الجحود والنكران فى صلح الحديبية، حينما أصر المشركون على محو كلمة الحق: "بسم الله الرحمن الرحيم" ، "محمد رسول الله".. يقول الله عز وجل: "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" [الفتح : 26]
· " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ": عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَةُ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ . (البخارى)
من أمثال القرآن..
الأحمق.. الذى لم يعتبر بمن سبقه..
"وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ"
موعظة بليغة:
· تلك التى يأمر الله سبحانه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن ينذر الناس ويحذرهم أهوال ذلك اليوم المشهود، الذى تشيب فيه الولدان يقول عز وجل: "وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)" [إبراهيم : 44 ، 45]
· فى هول هذا اليوم العظيم يتمنى الظالمون أن لو أخرهم الله ولو لساعة حتى يمتثلوا دعوة الإسلام بعبادة الله وحده وامتثال أوامره واجتناب نواهيه واتباع الأنبياء والمرسلين.
· ولما كانت طبيعة أولئك الظالمين الكذب والافتراء وأن يقولوا مالا يفعلون أجابهم الله تعالى: " أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ" بقولكم لا معاد ولا جزاء.
· وأقمتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم من الكافرين المهلكين قبلكم وكنتم فيها سائرين مسيرتهم فى الظلم والكفر واقتراف المعاصى، وليس لكم فيهم معتبر ولا فيما أوقعناه بهم مزدجر.
· وظهر لكم بمشاهدة الآثار الباقية من ديارهم التى أبيدت وأصبحت أثراً، وبتواتر أخبارهم بدا لكم ما صنعناه من إهلاكهم بسبب ما جنت أيديهم.
· " وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ": أى بينّا لكم أحوالهم وما فُعل بهم من الأمور التى فيها عظة وعبرة بقياس أعمالكم على أعمالهم، وذلك حتى ترتدعوا عما أنتم فيه من الشرك والضلال طلباً للنجاة.
أو بينّا لكم أنكم مثلهم فى الكفر واستحقاق العذاب، وتكون الأمثال على هذا جمع مِثْل بمعنى الشبيه والنظير.
من أمثال القرآن..
ولله المثل الأعلى..
"لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
يقول الله تعالى: "وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)" [النحل : 56 - 60]
· فى هذه الآيات دحض لمزاعم هؤلاء المشركين الذين يجعلون لأصنامهم التى لايعلمون حقيقتها وقدرها الوضيع، يجعلون لها نصيباً مما أعطاهم الله سبحانه من الزروع والأنعام وسائر الأرزاق تقرباً إليها، وما لها عليهم من فضل، ولا مدركة ما يتقرب به إليها ثم يقول سبحانه: " تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ" أى والله ليسألنكم الله سبحانه عما كنتم تختلقونه بمزاعمكم.
· "وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ": كانت خزاعة وكنانة يزعمان أن الملائكة بنات الله، وقد انطوى هذا الزعم على أمرين: أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله
o أما الزعم الأول: فقد رده الله تعالى بقوله: "وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" [الزخرف : 19]
o وأما الزعم الثانى فرده الله تعالى بهذه الآية: ""وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ"
· ثم تمضى الآيات موبخة حالهم وتصرفاتهم الجاهلية البغيضة حال تبشيرهم بطفل منة عليهم ورزقا لهم بألطف الكائنات البنات، ولو أعملوا عقولهم قليلاً لعلموا أنه بهن تكون الذرية والأولاد والقوة والمنعة، وبهن يكون السكن والمودة والرحمة.. ألا ساء ما يحكمون.
"لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ": أى لهؤلاء الذين لايؤمنون بالآخرة والحساب فيها صفة القبح ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى والصفة العظيمة الشأن من الاستغناء المطلق عن الولد فهو الغنى المنزه عن الحاجة والمعونة وهو العزيز الغالب القادر الحكيم فى شئونه، ولهذا لا يعاجلهم بالانتقام لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
من أمثال القرآن..
عجباً.. هل يستوى الخالق والمخلوق؟!..
"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا.." ، "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ.."
· إن أعظم الظلم: الشرك بالله..
o قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)" [النساء : 48]
o وقال سبحانه: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)" [لقمان : 13]
· إن المشرك يساوى الخالق القادر العزيز الحكيم بالمخلوق الضعيف الذليل.. كيف يعبد من لا يخلق ومن لايرزق !!
· وفى الأثر: أخلقُ ويُعبد غيرى، وأرزق ويُشكر سواى، خيرى إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد.
· وفى سورة النحل.. يضرب الله عز سلطانه مثلين يوضحان الهوة الكبيرة بين رجل ورجل وهما مخلوقان من جنس واحد، فكيف هو الفرق بين الخالق والمخلوق؟ بين القادر والمقدور..
· قال سبحانه: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
[النحل : 75]
· يضرب الله تعالى المثل للسيد المالك الرازق وللمملوك العاجز الذى لايملك ولا يكسب فهل يسوى عاقل بين هذا وذاك؟ وكيف يمكن التسوية بين الله سبحانه القادر العليم الهادى إلى صراط مستقيم وبين صنم أو حجر!
· ثم ضرب الله عز وجل مثلاً آخر مؤكداً للمثل الأول فى الدلالة والوضوح قائلاً: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)" [النحل : 76]
· فهذا مثلٌ آخر مؤكدٌ للمثل الأول فى الدلالة على ما دل عليه: وهو يتجلى فى رجلين:
o أحدهما: أخرس أصمّ لايقدر على الفهم ولا يستطيع أن يفهم غيره، وهو مع كل ذلك لا يقدر على أن يصنع شيئاً لنفسه أو لغيره من جلب نفع أو دفع ضر، فهو عبء على وليه إينما يرسله لا ينال نجاحاً.
o أما الآخر فهو رجل عاقل له رأى سليم الحواس ينفع نفسه وغيره ويأمر الناس بالعدل والإنصاف وهو على منهج قويم وسيرة صالحة.. هل يستويان؟
وإذا كانا لايستويان ولا يتشابهان فكيف يسوى المشركون بين الله القادر والمخلوقات العاجزة.
من أمثال القرآن..
لا تهدم ما بدأته..
"وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا"
· الإسلام دين الخلق القويم والمعاملة الكريمة، وكيف لا؟ وقد حدد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم حقيقة مبعثه الشريف، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ » (سنن البيهقى)
· ومن هذه الشمائل الفاضلة والأخلاق السامية التى أمرنا الإسلام بها خُلق الوفاء بالعهود.. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" [المائدة : 1]، وقال عز وجل: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) [الإسراء : 34].. إلخ.
· وتحكى لنا كتب السيرة العطرة كمال وفائه وحسن عهده صلى الله عليه وسلم.. فروي عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي عليه الصلاة والسلام ببيع قبل أن يُبعث، وبقيتْ له بقية، فوعدته أن آتِيَهُ بها في مكانه فنسيت، ثم ذكرتُ بعد ثلاث، فجئت، فإذا هو في مكانه، فقال: "يا فتى، لقد شققت عليّ أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك" (نور اليقين)
· وفى سورة النحل يضرب الله تعالى لنا مثلاً يوضح مساءة نقض العهد وأنه كالتى صنعت غزلاً فتلته وأحكمته ثم هى تحله وتنقضه ولا تنتفع به بعد ما بذلت فى سبيله، فهل هذا صنيع عاقل؟!
· يقول عز سلطانه: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)" [النحل : 91 ، 92]
· وعهد الله يعم كل تكليف منه سبحانه، ويدخل فيه البيعة على الإسلام.
· والأنكاث: هى جمع نِكْث على وزن حِمْل وهو الصوف بعد حله.
· ودخلاً: أى خديعة ومفسدة.
أربى من أمة: أكثر منها مالاً وأعز نفراً، أى لا تنقضوا العهود طمعاً فى التحالف مع جماعة هى أكثر مالاً وأعز نفراً، بدل جماعة أخرى أقل منها وأهون، كما كانت تفعل قريش، فكانوا ينقضون العهود مع حلفائهم ويحالفون أعداءهم إذا ما رأوا فيهم قوة ومنعة. وكأن الخطاب موجه لمجتمع المسلمين اليوم الذين ذهبوا يحالفون قوى الشر ربما على إخوانهم من المسلمين خوفاً من هذه القوى وطمعاً فى منفعة عاجلة، وهم فى ذلك واهمون، فإن الذئب لايرعى الغنم، والمثل القديم : "من استرعى الذئب ظلم".
من أمثال القرآن..
سـونامى..
"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً.."
· يأت ذلك المثل الذى ضربه الله سبحانه وتعالى فى سورة النحل عبرة وعظة لكل من استقبل نعم الله عز وجل وآلاءه بالجحود والنكران، ولم يسر على هدى الوحى الإلهى المتمثل فى نهج القرآن الكريم وسنة النبى العظيم صلى الله عليه وسلم.
· يقول سبحانه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)"
[النحل : 112 ، 113]
· فالإيمان بالله تعالى وشكره وامتثال أمره واتباع منهجه هو سبيل السعة والرغد ليس فى الحياة الآخرة وحسب وإنما فى الحياة الدنيا كذلك.
· وعلى النقيض من ذلك، فإن الجحود مآله الضنك فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة.
· وانظر إلى تعبير القرآن البليغ: "لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ" وكأن الجوع والخوف لشدتهما صارا كاللباس ملتصقين بهم، لا ينفكون عنهما، ثم هم فوق ذلك يتذوقون الجوع والخوف بألسنتهم، فهى مرارة فوق مرارة وجذَع فوق جذَع، وقوله "بما كانوا يصنعون": وكأن الكفر أصبح صناعة لهم يجيدونها.
· وهذا المثَل ينطبق على أهل مكة الذين حباهم الله تعالى بمكانة مرموقة، وأمنٌ نعيم، ورزق وفير يُجبى إليهم من كل مكان وبعث إليهم رسولاً من أنفسهم يعرفون صدقه وأمانته وطهارته وعفافه يدعوهم إلى خيرى الدنيا والآخرة.. قال تعالى: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)" [العنكبوت : 67]، وقال تعالى: " أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا"
[القصص : 57]
· والقرآن الكريم يقصُّ علينا ما يؤيد هذا المثل كقصة سبأ: " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)"
[سبأ : 15 - 17]
· وبعد أن ذكر الله تعالى هذا المثل من سورة النحل لتلك القرية الظالمة قال عز وجل: " فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)"
[النحل : 114]
فلله الحمدُ والمنّة،،
من أمثال القرآن..
مؤمن فقير وكافر غنى..
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ.."
· يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين، الشاكر لنعمة الله، والكافر لها، وما صدر من كل منهما، من الأقوال والأفعال، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل، والثواب، ليعتبروا بحالهما، ويتعظوا بما حصل عليهما..
· يقول الله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)" [الكهف]
· هذا الخلط يقع فيه كثير من الناس حين:
o يظنون أن فى إقبال الحياة الدنيا رضا الله عز وجل، وأن فى إدبارها سخط منه سبحانه، وهذا خطأ جسيم، بل إن الغالب أن الله عز وجل يجعل هذه العاجلة الفانية للكافرين حتى لا يكون لهم حظ فى الآخرة.. قال تعالى: "وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)" [الزخرف : 33 ، 35]
والخطأ الثانى أن يطمئن الإنسان إلى ما فى أيديه من النعم ويظن أنه أصيل فى الدنيا، وهذا ما وقع فيه هذا الكافر فى هذا المثل، وهذا أيضاً ما وقع فيه فرعون حين قال: "..أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي .. " [الزخرف : 51]
من أمثال القرآن..
الحياة الدنيا..
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.."
· كم غرت أناساً، وكم أخذت بلباب الكثيرين، وكم تنازل من أجلها مغفلون، وكم بذل فى سبيل تحصيلها المغترون.. إنها الدنيا، وما سميت باسمها إلا لدنوها وفنائها.
· جاء الإسلام والناس حيال الدنيا فريقان:
o فريق أمعن فى طلبها، فهو يلهث لتحصيلها وهى جل همه فى حله وترحاله.
o وفريق جعلها رجزاً من عمل الشيطان فقبع فى الصوامع وطلقها ثلاثاً.
· وكانت سماحة الإسلام التى اعترفت بالسعى لطلب الرزق الحلال بل طلبت من المؤمنين ذلك.. قال تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)" [الملك : 15] فمع سعيك واجتهادك فيها إياك أن يغيب عنك مآلك فإلى الله عز وجل النشور، وهذا منتهى الضبط لحركة الحياة.
· نعم لقد حثنا الإسلام على الحركة والسعى.. ".. وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.." [المزمل : 20]
· وعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" (أحمد)
· جاء الإسلام فأباح التمتع بمباهج الحياة قال تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) [الأعراف : 32]
· كان الإسلام وسطاً عدلاً حيث لا تجد إفراطاً ولا تفريطاً وهكذا فى جل أموره.. "دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) [الأنعام : 161]
· قال تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)" [القصص : 77]
وفى سورة يونس يضرب الله تعالى المثل للحياة الدنيا بياناً لشأنها وإبرازاً لحقيقتها فقال عز سلطانه: "إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)" [يونس : 24]
· فالحياة الدنيا فى سرعة انقضاء زمنها وزوال متعها وزينتها وجاهها بعد إقبالها على الناس واغترارهم بها وركونها إليها مثل هذه الحالة الناشئة من نزول المطر من السماء على الأرض وإنبات الله به أنواعاً من النباتات مما يطعم الناس والأنعام، واستمرار نموه بالماء حتى يتشابك ويختلط بعضه ببعض، وتزينت الأرض بأنواع النباتات المتعددة وأشكالها المتفاوتة وألوانها المختلفة وطعومها الجميلة وصارت العروس التى ازدانت بكل ألوان الزينة فظن أصحاب الأرض أنهم متمكنون من تحصيل ثمراتها، جامعون لخيراتها.. فى هذه الحالة أتاها جائحة فأزالت بهجتها وصارت حطاماً ولم يبق لها أثر على الأرض.
· فى ذلك عبرة لأصحاب العقول السديدة الرشيدة.
· وفى سورة الكهف مثل آخر: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا"
[الكهف : 45]
وفى سورة الحديد: نصيحة بليغة: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" [الحديد : 20]
من أمثال القرآن..
قوة الله وعجز الشركاء..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا
وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ.."
· فى سورة الحج يضرب الله سبحانه مثلاً بليغاً يوجه العقول إلى طلاقة قدرته فى الخلق والتقدير ويعكس مدى عجز وضعف ما سواه من الآلهة المزعومة والقوى المعبودة فى كل العصور والأزمان..
· قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"[الحج : 73]
· اصغوا أيها الناس إلى هذا المثل واستمعوا له جيداً.
· إن الذين تعبدونهم من دون الله عاجزون عن خلق الذباب، وهو حشرة ضعيفة مهينة، فكيف تعبدونهم من دون خالق السموات والأرض ومن فيهن، وقد تكفل برزقهم وتدبير أمورهم؟
· وهذه الآلهة المدعاة لا تستطيع خلق الذباب ولا عضواً من أعضاءه، ولو تساندوا جميعاً وتعاونوا وحشدوا طاقاتهم.
· وهذا الذباب إن يأخذ شيئاً من طعام أو شراب لا يستطيعون استرداده منه.
· فهذا مثال لضعف الآلهة وضعف الذباب.
وقد ضرب الله المثل بشئ حقير مستقذر ليبين هوان هذه الآلهة وعجز الشركاء، فكل قوة تُدعى دون قوة الله عز وجل فهى واهية لاقوام لها ولا شأن.
من أمثال القرآن..
نورٌ أنّى أراه؟!..
" مَثَلُ نُورِهِ .."
· سورة النور.. منذ بدأت هذه السورة ونحن نرى نور الهدى ينساب هو يتلألاً..
o آيات بينات تحمى الأعراض وتصون الأنساب وتزجر المعتدين عليها بما فرضته من عقوبات.
o وآيات كريمات تأمر بصيانة الألسنة عن قالة السوء فى المؤمنين والمؤمنات، وتقنن عقوبة القاذفين لهم.
o وتعلمنا آداب الاستئذان، ووجوب غض الأبصار عن المحارم للرجال والنساء.. إلى غير ذلك من الأحكام والآداب ومكارم الأخلاق.
· ألا ترى أن هذه الأحكام وأمثالها هى نور من الله تعالى وهداية لعباده المؤمنين.. قال تعالى: "وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)" [النور : 34]
· فهذا كمال العناية من الله سبحانه بعباده أن بيّن لهم سبل الهدى من الحدود والأحكام والآداب، ومثلاً من أمثال الذين مضوا لتحصل العبرة وتكون العظة.
· وكيف لا يتأتى النور الذى يضيئ لعباد الله المؤمنين، وهو سبحانه نور السموات والأرض.
· ولنستمع للآية: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)" [النور : 35]
· انظر لهذا المثل لذلك النور.. فالمشكاة بها مصباح ولكنه فى زجاجة كالكوكب المزهر اللامع.. هذا المصباح يستضيئ بزيت شجرة زيتون من أعجب ما يكون حتى إنه يكاد يضيئ ولو لم تمسه النار، هذه الزيتونة مباركة فهى تتعرض للهواء والضوء من كل جانب فحظها وافر.. وهو سبحانه الهادى إلى صراط مستقيم.
· فى طريق عودته صلى الله عليه وسلم من الطائف يشكو حاله إلى ربه وجفوة قومه وإعراضهم.."أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك" (الضياء المقدسى)
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» (مسلم) "اللهم ارزقنا النظر إلى وجهك الكريم"
من أمثال القرآن..
الحجة البالغة..
"وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا"، "انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا .."
· لقد ذكر القرآن الكريم جانباً مما ضربه المشركون من أمثال باطلة مضللة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إمعاناً فى المراوغة والتكذيب، وتشويشاً على الحق وحجته الساطعة.
· ومن ذلك ما ورد فى سورة الفرقان حيث قال الله تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)" [الفرقان : 32 - 33]
· والمراد بالمثل: أقوالهم التى يلتمسون بها معارضة القرآن الكريم والقدح فى نبوته صلى الله عليه وسلم.
· كذلك فقد حكى القرآن الكريم جملة من اقتراحاتهم الخارجة عن المعقول كقولهم: "وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)" [الإسراء : 90 - 94]
· وكقولهم: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)" [الفرقان]
· والمعنى لآية الفرقان: ولا يأتونك بكلام عجيب فى البطلان واجتناب الحق إلا أتيناك بالحجة الثابتة الدامغة والأقوال الصحيحة البيّنة للقضاء على أكاذيبهم التى أرادوا بها الطعن فى رسالتك.
· قال النحاس: وكان ذلك من علامات النبوة لأنهم لايسألون عن شئ إلا أجيبوا.
وأحسن تفسيراً: أى جئناك بالحق، وبما هو أحسن بياناً وتفصيلاً لما بعثناك به من الهدى، حتى لايكون للباطل الذى جاءوا به حقيقة ولا ظل.
من أمثال القرآن..
عاقبة الظالمين..
"وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا"
· قصَّ علينا القرآن الكريم قصص الغابرين الذين أرسل اللهُ تعالى إليهم رسلاً.. قال تعالى: "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)" [الطلاق : 8 ، 9]
· ومن رحمة الله عز وجل بنا أن قصَّ علينا قصص الأمم السابقة ومآلها ومصيرها وذلك لأخذ العبرة والعظة..
· وهنا فى سورة الفرقان تعالوا نستمع إلى شئ من هذا القَصص الحق..
· يقول ربنا عز وجل: "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)" [الفرقان : 35 - 40]
· وإليك بعض المعانى:
o الرسّ: بئر غير مبنية.
o ولقد أتوا على القرية: هى سدوم أعظم قرى قوم لوط.
o وكلاً تبرنا تتبيراً: وكلاً أهلكناه هلاكاً ساحقاً.
· "وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا": أى وكل قوم من الذين ذكرنا وحذرنا حيث بينا لهم القصص العجيبة الزاجرة لما هم عليه من الكفر والمعاصى، ووضحنا لهم الأدلة العجيبة الهادية، ولكنهم كذبوا وأعرضوا فاستحقوا الدمار، والهلاك، كما قال تعالى: "وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا" أى وكل قوم أهلكناه هلاكاً ماحقاً، لتماديه فيما هو فيه من إفك وطغيان.
وفى سورة العنكبوت يقول ربنا عز شأنه مبيناً ما لحق بالأمم المكذبة: "فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)" (العنكبوت)
من أمثال القرآن..
أيها المتخذون أولياء من دون الله.. إليكم هذا المثل..
"كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ"
· يضرب الله عز سلطانه هذا المثل الحكيم لبيان حقيقة وَهَنِ كلِّ قوةٍ مزعومة يحتمى بها المحتمون من دون قوة الله عز وجل.
· وهم إنما يظنون أنها ستحميهم أو تمنعهم أو تدفع عنهم سوءاً، وهم فى ذلك واهمون.
· وإن علا الباطل وهيمن وسيطر لبرهة من الزمن، وإن طغا بجبروته وسطوته يستضعف المصلحين والمتقين، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.
· وفى هذا المثل تتضح هذه الحصون الواهية التى اتخذها المشركون والمأملون فى كل ملجأ سوى الحق تبارك وتعالى.
· يقول سبحانه: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) [العنكبوت : 41 - 43]
· يضرب الله تعالى المثل للمشركين الذين اتخذوا آلهةً أو قوةً من دون الله تعالى يرجون نصرها ورزقها فكانوا كالعنكبوت اتخذت بيتاً لتحتمى بها فما أوهى منها وأبعدها عن القوة والاحتماء.
· "إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
o فالله عز وجل لاتخفى عليه خافية، فلستم تدعون من دون الله شيئاً، فهو كمقارنه لايطلق عليه شئ.
o وهو سبحانه العزيز الغالب الحكيم فى إمهالهم، وعدم معاجلتهم بالعقوبة.
· " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ":
o هذا المثل والأمثال الكثيرة التى ذكرها القرآن الكريم تظهر المعانى المستورة وتوضحها ولايفقه هذه الأمثال ولا يدركها ولا يقدر قيمتها إلا الراسخون فى العلم المتدبرون لحقيقة الأشياء.
فالعالِم من عقل عن الله تعالى فعمل بطاعته واجتنب سخطه.
من أمثال القرآن..
ليس كمثله شئ وهو السميع البصير..
"وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
· عز جاهه وجل ثناؤه.. فى سورة الروم تأتى آيات عديدة يلفت الحق تبارك وتعالى بها أنظار عباده إلى عظيم ملكه وواسع قدرته، جل فى علاه، وأن كل ذلك له وحده، الواحد الأحد الفرد الصمد.
· ثم يأتى ذكره الحكيم قائلاً: "وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) [الروم : 26 ، 27]
· فله سبحانه من فى السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن ومن مخلوقات لا يعلم حقيقتها وقدرها إلا الله، كلٌ لإرادته خاضعون وبأمره يعملون.
· وهو الذى يبدأ الخلق من آن لآخر ثم يعيده بالبعث بعد الممات.. وبمقاييسكم أنتم البشر فالإعادة أسهل من من الابتداء، وإن كانت عند الله سواء، فهو يقول للشئ كن فيكون، ولله الوصف الأعلى العظيم فى السموات والأرض، لايدانيه فى كمال أوصافه أحد، وهو العزيز الذى لايُغلب، الحكيم فى تدبيره.
· وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَّبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ فَلَنْ يُعِيدَنَا كَمَا بَدَأَنَا وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ يَقُولُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ" (أحمد) جل جلاله وتقدست أسماؤه
· ولك أن تتأمل فى السورة نفسها: "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) [الروم : 19 - 26]
ولذا فقد أرشدنا قائلاً: "فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لاتعلمون" (النحل 74)
من أمثال القرآن..
مثلاً من أنفسكم..
"ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ"
· تحدثنا سورة الروم عن ألوان عديدة من آيات الله سبحانه وآلائه المتفضل بها على عباده..
· ثم تسوق مثلاً للمشركين من أنفسهم تبين لهم استحالة ما جعلوه لله من الشركاء والأنداد.. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
· يقول عزَّ سلطانه: "ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [الروم : 28]
والمعنى: أنكم لاتجعلون لمماليكم حق الشركة فى أموالكم، فإذا كنتم تأبون أن يشرككم عبيدكم فى أموالكم (وهم مثلكم فى البشرية غير مخلوقين لكم) فكيف تشركون به سبحانه مخلوقاً من مخلوقاته بل مصنوع مخلوقه من الحجارة والأوثان.
من أمثال القرآن..
المكذبون والمعاندون..
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ"
· فى خضمِّ ما يعانيه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأولون المستضعفون من إعراض مشركى مكة وصدودهم عن سبيل الله.. يضرب الله سبحانه هذا المثل إيناساً لقلب النبى صلى الله عليه وسلم وتأكيداً لما ينتظر هؤلاء المعاندين من خزى وعذاب أليم.
· وفى سورة يس: يقول ربنا عز جاهه وجلَّ ثناؤه: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) [يس : 13 ، 29]
· يضرب الله سبحانه المثلَ بهذه القرية التى أرسل إليها رسولين من رسله الكرام فما كان من أهلها إلا التكذيب والصدود والعناد.. فأيدهما الله عز وجل برسول ثالث.
· وجرياً على عادة المكذبين يختلقون أسباباً واهيةً للإعراض عن سبيل الحق، ومنها أنهم يتهمون الرسل بالبشرية، ولو أنهم أعملوا عقولهم لاهتدوا إلى التصديق الجازم، فلابد للرسول أن يكون من جنس المرسل إليهم لتكون الحجة والبرهان. وإلا لتعلل المتعللون بسمو جنسه فأنى لهم باتباعه والاقتداء به.
· وقد أخبرنا القرآن الكريم أن هذا الاتهام من الكفار تجاه الرسل الكرام هو ديدنهم..
o فقد قالوا تجاه نبى الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: " وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ.." [الفرقان : 7]
o وفى قصة نوح عليه السلام: " فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا.." [هود : 27]
· وصار الجدل واتهموا الرسل بالكذب بينما أكد الرسل عليهم صلوات الله صدق رسالتهم وحقيقة مبعثهم إليهم.
· ثم استمرئ المعاندون اتهام الرسل بأنهم يتشائمون منهم وأنه سبب ما يواقعونه من بلاء وشدة، فردّ عليهم الرسل الكرام بأنهم هم الذين جلبوا على أنفسهم هذا البلاء بتكذيبهم وإسرافهم.
· وعندئذ يسرع الرجل المؤمن الخطا ويجدّ فى السير، يجيئ من أقصا المدينة ناصحاً قومه باتباع المرسلين، وأنهم لايريدون منهم جزاء ولاشكوراً وإنما يرجون لهم الخير والسعادة.
· وبيّن لهم الرجل المؤمن الداعية أن الله سبحانه هو خالقهم وهو المستحق بعبادتهم، وبيده الخير والعز، بينما تعجز الآلهة المزعومة عن إيصال النفع والخير لهم.
· ويبدو أنهم قتلوه فلقى الله شهيداً، ورأى من الكرامة ما رأى، فتمنى أن لو يعلم قومه حاله وكرامته ليؤمنوا.
· ولم يكونوا بحاجة إلى نزول جنود من قبل الله تعال، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وإنما أهلكهم الله تعالى بالصيحة فإذا هم خامدون كما تخمد النار.
"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" [ق : 37]
من أمثال القرآن..
المـاديون والوجوديون..
"وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ"
· عجباً لأمر أولئك الماديين الذين ينكرون البعث ويتطاولون قائلين: إن هى إلا أرحامٌ تدفع وأرضٌ تبلع وما يُهلكُنا إلا الدهر.
· كيف لم يتفكر أحدهم فى مراحل خلقه وتكوينه وإيجاده من العدم.. أوَلم يكن هذا المتكبر نطفة حقيرة صغيرة فإذا هو الآن طاغية مستكبر.
· قال تعالى فى سورة المؤمنون: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)" [المؤمنون : 12 - 14]
· وفى سورة يس يقص الله عز وجل علينا هذا المثل الذى ضربه ذلك الكافر المعاند لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء بعظم قد رمّ ففته بيده وقال: يا محمد أيجمع الله هذا بعدما رمّ؟ قال: "نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم"
(رواه جماعة عن ابن عباس)
· فنزلت الآيات: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)" [يس : 78 ، 83]
· هذا الكون الفسيح بكل مخلوقاته العجيبة وآياته الباهرة أيعجز مبدعه أن يأتى بمثله، بل إن الإحياء بمنطق البشر البسيط لهو أسهل من الإيجاد من العدم على غير مثال سابق.. قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.." [الروم : 27] والله سبحانه ليس عنده صعب وسهل وإنما هذا للتقريب للأفهام البشرية.
· وفى سورة البقرة: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.." [البقرة : 164]
· وفى سورة آل عمران: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" [آل عمران : 190]
· وأمام هذه القدرة الخلاقة لايملك الكون إلا أن يسجد لخالقه سبحانه خاضعاً ومسبحاً.
"فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
من أمثال القرآن..
السعيد من وعظ بغيره..
"وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ"
· يقول الحق تبارك وتعالى مفتتحاً سورة الزخرف – وهى من السور المكية التى تؤصل للإيمان فى النفوس وتهزها هزا:
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
· افتتحت السورة بالأحرف المقطعة، والله سبحانه أعلم بمراده من ذلك، وما ندركه أن هذا القرآن العظيم المعجز فى لفظه ومعناه ومحتواه وعلومه وهديه وتأثيره هو من هذه الحروف التى تعرفونها وتتحدثون بها وتنشدون بها أشعاركم فهل تستطيعون أن تأتوا بمثله أو بجزء منه.. كلا، قال تعالى: "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء 88)
· ثم يقسم الحق تبارك وتعالى بالقرآن الكريم وأنه سبحانه أنزله عربياً منّةً منه وشرفاً لهذه اللغة القديرة الجميلة، وهو عنده سبحانه فى اللوح المحفوظ لكمال رعايته وتمام العناية به.
· ولسعة رحمة الله عز وجل لم يحرم الكافرين من نعمة نزول القرآن محذراً ومبشراً، ولم يعاجلهم العقوبة فيموتوا على الكفر بإسرافهم وإعراضهم.
· وكم أُرسل نبى إلى قومه فعاملوه بالسخرية والاستهزاء فحق عليهم العذاب بما صنعت أيديهم وكانوا أشد قوة وأكثر جمعاً.
· "وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ": أى سبق وسلف فى القرآن العظيم فى غير موضع منه قصصهم العجيبة فى التكذيب والإعراض وما أنزل الله عز وجل بهم من العقوبة والعذاب، فحق أن يكون ذلك مثلاً للشهرة والذيوع.
والسعيد من وعظ بغيره.
من أمثال القرآن..
من الجاهلية..
"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ"
· لقد سجل القرآن الكريم افتراءات المشركين وبيّن جهلهم وسخفهم وأبطل مزاعمهم، ومن ذلك أنهم زعموا أن الملائكة بنات الله ففند القرآن مزاعمهم وأبطلها بالحجة والبرهان الساطع.. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
· فى سورة الزخرف يقول المولى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: "وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)" [الزخرف : 15 - 18]
· فقد نسبوا إلى الله سبحانه الولد فقالوا: الملائكة بنات الله، فهو جل فى علاه القوى العزيز الغنى الواحد الأحد الفرد الصمد الذى تحتاج الخلائق جميعها إليه وهو لايحتاج إلى أحد، قال تعالى: " وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا" [الإسراء : 111]
· والعجيب أن ما نسبوه لله تعالى من البنات يستنكف الواحد منهم أن يُبشر به، قال تعالى: "وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ" [النحل : 62]، بل كانوا يقتلونهن ويدفنونهن وهن أحياء قسوة وجحوداً.
· " وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ": كانت فيهم هذه العادة البغيضة، والخطيئة المقيتة، كانت البنت إذا بلغت الخامسة أو السادسة من عمرها، قال أبوها لأمها زينيها وطيبيها لعلى أزور بها أقاربها.. فإذا زينتها وجملتها خرج بها فى الصحراء وأخذ يحفر لها، وربما نفضت المسكينةُ الترابَ عن لحيته، وهى لاتدرى أنه يعد لها مصيرها.. حتى إذا ما عمقها قال لها انظرى فى الحفرة فإذا نظرت ألقاها فيها وأهال عليها التراب وهى تستغيث بأبوته وتستجير به فلا يزداد إلا إمعاناً وقسوة.. فأىّ تقريع بعد قوله سبحانه: " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)" [التكوير : 8 ، 9] فما ذنبها، وما ذنب أمها االتى ولدتها وتعبت وسهرت من أجلها؟!
وهذه البنات الرقيقات من أجمل خلق الله سبحانه، ومن آياته أنهن ينشأن فى الحلى والزينة والرقة والعذوبة وليس من شأنهن الخصام والمعارك.
من أمثال القرآن..
قوم فرعون..
"فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ"
· لقد حوت قصة موسى عليه السلام وقوم فرعون مواقف وعبر وحكم بليغة، ولذلك فقد وردت فى مواضع عديدة من القرآن الكريم..
· وفى سورة الزخرف يقول المولى جلَّ فى علاه: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)" [الزخرف]
· جاء فى مختصر تفسير ابن كثير:
يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله { موسى } عليه الصلاة والسلام ، أنه ابتعثه إلى فرعون وملئه ، من الأمراء والوزراء والقادة والأتباع من القبط وبني إسرائيل ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأنه بعث معه آيات عظاماً كيده وعصاه ، وما أرسل معه من الطوفان والجراد والقمَّل والضفادع والدم ، ومن نقص الزروع والأنفس والثمرات ، ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والانقياد لها ، وضحكوا ممن جاءهم بها ، { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضلالهم ، وجهلهم وخبالهم ، وكلما جاءتهم آية من هذه الآيات يضرعون إلى موسى عليه السلام ، ويتلطفون له في العبارة بقولهم : { ياأيه الساحر } أي العالم ، وكان علماء زمانهم هم السحرة ولم يكن السحر في زمانهم مذموماً عندهم ، ففي كل مرة يعدون موسى عليه السلام إن كشف عنهم هذا أن يؤمنوا به ويرسلوا معه بني إسرائيل ، وفي كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه ، وهذا كقوله تبارك وتعالى : { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز قَالُواْ ياموسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَآئِيلَ * فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } [ الأعراف : 134- 135 ] .
· يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه ، إنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر وتصرفه فيها : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي } ؟ قال قتادة : قد كانت لهم جنات وأنهار ماء { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ؟ أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك؟ يعني وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء ، وقوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ } قال السدي : يقول : بل أنا خير من هذا الذي هو مهين ، وهكذا قال بعض نحاة البصرة : إن ( أم ) هاهنا بمعنى ( بل ) يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً ، ويعني بقوله : { مَهِينٌ } حقير ، وقال قتادة يعني ضعيف، وقال ابن جرير : يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال ، { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يعني لا يكاد يفصح عن كلامه فهو عييّ حصر ، قال السدي : أي لا يكاد يُفّهم ، وقال قتادة : عييّ اللسان ، وقال سفيان : يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير ، وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق ، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، فهو ينظر إلى موسى بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء ، في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب ، وقوله : { مَهِينٌ } كذب بل هو المهين الحقير ، وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد ، وقوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } افتراء أيضاً ، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل الله عزّ وجلّ أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى } [ طه : 36 ] وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته كما قاله الحسن البصري ، وإنما سأل زوالها يحصل معه الإبلاغ والإفهام، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا ، وإنما أراد التروج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء ، وهكذا قوله : {فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} وهي ما يجعل في الأيدي ، من الحُليِّ { أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ } أي يكتنفونه خدمة له، ويشهدون بتصديقه ، نظر إلى الشكل الظاهر ، ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم ، ولهذا قال تعالى : { فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاســتجابوا له { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } .
والعجيب أن من المسلمين من يُعجب بالفراعين وأمثالهم ويتخذهم قدوة ومفخرة ويقلد أبنيتهم وأسماءهم .. وما ذلك إلا ردة جاهلية ونكوصاً عن الحق والإسلام الذى أنقذنا الله به.
من أمثال القرآن..
قياس لا يستقيم..
"وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ"
· لما سمع بعض المشركين الذين يعبدون الملائكة هذه الآية: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" [آل عمران : 59]، فقالوا مكابرين: نحن أصح نظراً وأسلم عقيدة وأصوب اتجاهاً ومنطقاً من هؤلاء النصارى، نحن نعبد الملائكة، أما هم فإنهم يعبدون بشراً. فنزل قول الله تعالى: "وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
[الزخرف : 57 - 60]
· وفى تفصيل ذلك يقول الآلوسى رحمه الله تعالى:
o إن المشركين لما سمعوا قوله تعالى: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ" قالوا: نحن أهدى من النصارى، لأنهم عبدوا آدمياً ونحن نعبد الملائكة..
o أى: ولما بيّن الله سبحانه حالته العجيبة اتخذه قومك ذريعة إلى ترويج ما هم فيه من الباطل بأنه مع كونه مخلوقاً بشراً قد عُبد، فنحن أهدى، حيث عبدنا ملائكةً مطهرين مكرمين عليه. وهذا هو الذى عنوه بقولهم: " أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ"
o فأبطل الله تعالى ذلك بأنه مقايسة باطل بباطل، وأنهم فى اتخاذهم العبد المنعم عليه إلهاً مبطلون مثلكم فى اتخاذ الملائكة.. وهم عباد مكرمون..
o ثم قال تعالى: " وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ.." الآية دلالة على أن الملائكة عليهم السلام مخلوقون مثله وأنه سبحانه قادر على أعجب من خلق عيسى عليه السلام، وأنه لا فرق فى ذلك بين المخلوق توالداً وإبداعاً، فلا يصح القسمان للإلهية.
من أمثال القرآن..
الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضى الله عنهم..
"..ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ. وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ.."
· لقد أعظم الله مننه علينا معشر المسلمين بأن هدانا لهذا الدين الحق، وأرسل إلينا سيد الأنبياء والرسل محمداً صلى الله عليه وسلم.. قال تعالى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [آل عمران : 164]
· وقال عز شأنه: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [التوبة : 128]
· وقد شهد الله لنبيه بالفضائل العظمى والأخلاق السامية وأمرنا أن نتخذه قدوةً وأسوة حسنة، وكذا شهد لصحابته الكرام من المهاجرين والأنصار قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة.
· وهذه الآية الأخيرة من سورة الفتح، تبين صفة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام فهم أعزة أقوياء على الكفار، تحفهم الرحمة والمودة فيما بينهم.
· وقد ذكر صفتهم العجيبة فى التوراة فهم راكعون ساجدون مخلصون لربهم عابدون يرجون فضله ورضوانه، تعرف ذلك فى إشراق وجوههم ونضارتها.
· ومن صفتهم العجيبة فى الإنجيل أنهم كالنبتة التى تنمو وتترعرع يوماً فيوماً قوة وصلابة فهى تعجب الزراع ذوى الخبرة فكيف بعامة الناس، وفى ذلك إغاظة للكفار المعاندين أىَّ إغاظة.. وهكذا بدأ النبى صلى الله عليه وسلم دعوته وحيداً فلا يزال أصحابه يكثرون ولا تزال دعوته فى اتساع إلى قيام الساعة
· وقد وعدهم الله سبحانه المغفرة والأجر العظيم.
· وكلمة (منهم) هنا ليست للتبعيض أى لبعضهم، وإنما هى للجنس أى وعدهم الله، كقوله تعالى: "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" [الحج : 30]
· ومن المفسرين من يقول أن هذه الصفات خاصة بصحابة النبى صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهم.
وإليك آية سورة الفتح: يقول الله عز وجل: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" [الفتح : 29]
من أمثال القرآن..
وعود وأمانى ..
"كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا... كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ.."
· لقد كشف القرآن الكريم طبائع أهل العقائد الفاسدة والنفوس الضعيفة كاليهود والمنافقين.. وذلك حتى يهدى المؤمنين إلى كيفية مواجهة هؤلاء الأعداء ودفع خطرهم ومكائدهم على الدولة الإسلامية.
· وإليك أخبارهم العجيبة فى سورة الحشر:
· يقول الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)" (الحشر)
· تأتى هذه الآيات مكاشفة وإخباراً لما جرى بين المنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر وبين اليهود الذين عبّر الله عز وجل عن العلاقة بينهم وبين المنافقين بالإخوان، بما فى ذلك من تحذير للمسلمين من كلا الفريقين.
· إنهم يقولون لإخوانهم من يهود بنى النضير مؤكدين مقسمين: لئن أُخرجتم وأُكرهتم على ترك بلدكم ووطنكم لنخرجن معكم تضامناً ونصرةً، ولا نُطيع فى شأنكم أحداً يمنعنا من مناصرتكم أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم. والله سبحانه يشهد بأن المنافقين لكاذببون خادعون مضلون فى وعودهم.
· فإن أُخرج هؤلاء اليهود لايخرجون معهم ولئن قوتلوا لاينصرونهم ولايكون منهم إلا الفرار وتولية الأدبار أمام جند الله الموحدين.. بما قذف الله فى قلوبهم من الرعب من أولياء الله، وما ذلك إلا لقلة عقلهم وفهمهم.
· ثم يقول الله تعالى: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ" [الحشر : 14]
· تصوير آخر لجبنهم وشدة خوفهم من المؤمنين والرهبة التى ملأت قلوبهم وتمنعهم من أن يواجههوهم بالعداوة أو يبارزوهم فى ميدان القتال.
· والمعنى: لا يقوى هؤلاء اليهود أو المنافقون على مواجهتكم إلا فى قرى من وراء الحصون والقلاع، فهم جبناء تظن أنهم متحدون بينما تختلف قلوبهم، وذلك أنهم قوم لايعقلون.
"كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [الحشر: 15]
· يقول القرطبى: قال ابن عباس: يعنى به قينُقاع، أمكن الله منهم قبل بنى النضير. وقال قتادة: يعنى بنى النضير، أمكن الله منهم قبل قريظة، وقال مجاهد: يعنى كفار قريش يوم بدر. وقيل هو عام فى مثل من انتقم الله منه قبل بنى النضير.
· ثم يقول الله تعالى: "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" [الحشر : 16]
· والمعنى: مثل المنافقين فى وعودهم لليهود وإغرائهم لهم بالتمرد والعصيان ومحاربة المؤمنين كمثل الشيطان إذ يوسوس للإنسان بالشرِّ ويزين له المعصية ويحبب إليه الكفر والفسوق ولايزال حتى يوقعه فإذا سقط تخل عنه وتبرأ منه.
· وفى سورة الأنفال: بيان لموقف الشيطان الذى وسوس للمشركين حرب النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى غزوة بدر، فلما رأى نصر الله وما أعده لنصرة أوليائه فرَّ هارباً ناكصاً لعهوده مخيباً لأمانيه الكاذبه وفى ذلك: يقول الله تعالى: "وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [الأنفال : 48]
· وجاء فى مختصر تفسير ابن كثير: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جندٍ من الشياطين معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج في صورة ( سراقة بن مالك بن جعشم ) فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ، فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس ، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين ، انتزع يده ثم ولى مدبراً وشيعته ، فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك لنا جاراً؟ فقال : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ، وذلك حين رأى الملائكة.
وفى سورة إبراهيم بيان لموقف الشيطان يوم القيامة: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [إبراهيم : 22]
من أمثال القرآن..
حبل الله..
"وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"
· يقول الله تعالى: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [الحشر : 21]
· وعَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : "كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ ، أَضَلَّهُ اللَّهُ ، هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ ، وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي ، لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلاَ يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ ، أَنْ قَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (مسند البزار)
· وعن أبى أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ" (السنن الصغرى)
· يقول الإمام النووى رحمه الله تعالى فى مقدمة كتابه (التبيان فى آداب حملة القرآن) بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله والصلاة والسلام على رسوله وأهله: "أكرمه صلى الله عليه و سلم بالقرآن المعجزة المستمرة على تعاقب الأزمان التي يتحدى بها الإنس والجان بأجمعهم وأفحم بها جميع أهل الزيغ والطغيان وجعله ربيعا لقلوب أهل البصائر والعرفان لا يخلق على كثرة التردد وتغاير الأحيان ويسره للذكر حتى استظهره صغار الولدان وضمن حفظه من تطرق التغير إليه والحدثان وهو محفوظ بحمد الله وفضله ما اختلف الملوان ووفق للإعتناء بعلومه من اصطفاه من أهل الحذق والإتقان فجمعوا فيها من كل فن ما ينشرح له صدر أهل الإيقان أحمده على ذلك وغيره من نعمه التي لا تحصى"
· وقد ضرب الله به المثل بما ينطوى عليه من فنون ودروب ومناهل للعرفان بحيث لو أُنزل على جبل أصم أشم لرأيته مع كونه مثلاً فى القسوة وعلماً فى الرسوخ متهاوياً متداعياً متشققا.
وتلك الأمثال التى ذكرها الله عز وجل فى كتابه الكريم حتى يتفكر الناس فى معانيها ويدركوا مراميها فيهتدوا بهدى الله سبحانه وبها يسعدوا فى دنياهم وأخراهم.
من أمثال القرآن..
اليهود..
"كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا"
· اليهود قومٌ بُهْت.. رغم أن الله سبحانه أعطاهم وفضلهم على عالمى زمانهم وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وأراهم من الآيات والدلائل الباهرة ونجاهم من أعدائهم الذين يسمونهم سوء العذاب..
· وقد آتاهم الله عز وجل التوراة.. قال تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ" [المائدة : 44]
· ومع ذلك فلم يحملوها ولم يعملوا بها، بل حرفوها وأخفوها وبدلوا وغيروا وقتلوا الأنبياء والرسل وألصقوا بهم التهم.. قال تعالى: "لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ" [المائدة : 70]
· بل تطاولوا على الذات العلية.. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً..
o فحكى القرآن: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" (آل عمران 181).
o وحكى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا" (المائدة 64)
· فكانوا كما وصفهم القرآن الكريم بما حُملوا من أسفار كالحمار يحمل كُتباً ولا يعمل بها، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لايهدى القوم الظالمين.
· قال تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)" [الجمعة : 5]
· وفى ذلك عبرة للمسلمين أن يقوموا بالقرآن الكريم و لا يهجرونه.
· وللأسف الشديد فهناك من المسلمين من اتصفوا بهذا الوصف، حتى ترى من الأمة من صدق فيه قوله الشاعر: كالعيس فى البيداء يقتلها الظما والماء فوق رؤوسها محمول
· وقد عاقبهم الله عز وجل بأن لعنهم واللعن هو الطرد من رحمته والعياذ بالله.. قال تعالى: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)" (المائدة)
· وحرم عليهم أشياء أحلت لهم من قبل، قال تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)" (الأنعام)
من أمثال القرآن..
مثل للكافرين، ومثل للمؤمنين..
"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا .." ، "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا.."
· فى سورة التحريم، يضرب الله عز وجل مثلين عظيمين.. يقول تعالى: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)" [التحريم : 10 - 12] مثلان بليغان، فيهما دروس عظيمة، منها:
o أنه لاحُجة ولا عذر عن الإيمان بالله ولو فى معاقل الكفر والجحود والاستعلاء على الحق.. فهذه امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم تستجير بالله من أذى الفرعون الطاغية، وتسأل الله جواره وجنانه.
o وكان بإمكانها أن تستمتع بمباهج الملك ونعيم الدنيا، وأن تؤثر دنياها، ولكن نفسها الثرية الأبية رفضت كل هذه الزينة فى سبيل الحق فى سبيل إيمانها بالله وحده.
o أن الإيمان يستلزم الصبر والتحمل والتوكل على الله الواحد الأحد الفرد الصمد، فليس طريق الإيمان سهلاً مفروشاً بالورود والرياحين كلا بل محفوف بالمخاطر والمصاعب.
o وفى مريم ابنة عمران عليها السلام قدوة لكل فتاة التزمت بمنهج ربها وصانت نفسها وأخلصت فى دينها.
o وتأمل احتفاء الله عز وجل بعباده المخلصين، إذ خلد ذكرى هاتين العابدتين قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة وقدوة تحتذى لكل المؤمنين فى كل زمان ومكان.
o وعلى النقيض من ذلك، وبضدها تتمايز الأشياء، فهاتان الخبيثتان امرأة نوح وامرأة لوط، كانت الأسباب كلها مهيئة لحصول الإيمان لهما، فهما فى بيوت النبوة متزوجتين من نبيين من أنبياء الله عز وجل، ومع ذلك فإن النفوس الضعيفة هذا شأنها لا تعرف المكارم.
o ثم إن كل إنسان مرهون بعمله، وكل نفس بما كسبت رهينة ولا تزر وازرة وزر أخرى.. "ويافاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا أغنى عنك من الله شيئاً" (فتح البارى)
والهداية أولاً وآخراً كشأن كل أمر هو بإذن الله وحده.. "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [القصص : 56]
من أمثال القرآن..
بين المؤمنين والمنافقين..
"وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا"
· يقول الله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)" [المدثر : 31]
· هذه الآية هى من شأن القرآن المكى الذى يعنى بتأصيل قضايا الإيمان بالله وحده والإخبار بما يكون من أمور الغيب والآخرة ومخاطبة العقول بما ترى من آيات قدرة الله عز وجل.
· وجاء فى تفسيرها:
o وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة أقوياء أشداء ليسوا من جنس المعذبين فلا تأخذهم بهم رأفة وهم لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فلا يقدر أهل النار عليهم ولا يستطيعون مغالبتهم.
o وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا اختباراً منا للذين كفروا ليحصل اليقين للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى بأن ما يقوله القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم وعددهم إنما هو حق من الله تعالى حيث وافق ذلك ما فى كتبهم.
o كما يزداد إيمان المؤمنين بما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم أن عدد الخزنة كذلك، ولا يرتاب أهل الكتاب والمؤمنون بما جاءهم من الحق من ربهم.
o أما الذين فى قلوبهم مرض (المنافقون) والكافرون فيقولون: ما الذى أراده الله بهذا العدد (تسعة عشر) المستغرب استغراب المثل.
o قال الزمخشرى: أى: أىُّ شئٍ أراد الله هذا العدد العجيب؟ وأىُّ حكمةٍ قصدها فى أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين؟ ومرادهم إنكار هذا الأمر من أصله وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص. وعنوا بالإشارة (بهذا) التحقير، وليس مرادهم الاستفهام حقيقة عن الحكمة.
كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هى إلا ذكرى للبشر.
قـائمة المراجـع
· القرآن الكريم كتاب رب العالمين سبحانه وتعالى
· كتب الحديث النبوى الشريف سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم
· المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم العلامة محمد فؤاد عبد الباقى
· الأدب المفرد الإمام البخارى
· رياض الصالحين الإمام النووى
· التفسير الوسيط نخبة من علماء الأزهر الشريف
· تفسير السعدى الشيخ عبد الرحمن السعدى
· تفسير القرآن العظيم الإمام ابن كثير
· الجامع لأحكام القرآن الإمام القرطبى
· فى ظلال القرآن الشهيد / سيد قطب
· تفسير الجلالين الإمامين جلال الدين المحلى وجلال الدين السيوطى
· اللآلئ الحسان د. موسى شاهين لاشين
· علوم القرآن د. محمد بكر إسماعيل
· أمثال القرآن د. محمود بن الشريف
· أمثال القرآن محمد قطب
· أمثال القرآن الإمام ابن القيم
· أمثال القرآن والسنة الحكيم الترمذى
· مناهل العرفان الشيخ الزرقانى
· المكتبة الشاملة مكتبة إلكترونية متكاملة
· كلمات القرآن تفسير وبيان الشيخ حسنين مخلوف