الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

الوفاء من شيم الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الوفاء.. من شيم الإسلام
·   إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
·   وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على النبى وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
·       يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.
·   يا آيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.
·   يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.

أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.

إخوة الإسلام.. عباد الله..
مقصد مبعثه الشريف صلى الله عليه وسلم:
·      لقد بين النبى صلى الله عليه وسلم الغاية من مبعثه الشريف.. فقد أخرج الحاكم فى المستدرك بسنده على شرط مسلم رحمة الله على الجميع، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
·       فالإسلام هو دين الأخلاق الفاضلة والطبائع السامية، وما من فضل إلا وأرشد إليه وما من سوءة إلا وابتعد عنها وحذر منها..
·       والنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق وأكمل البشر، شهد له المولى عز وجل قائلاً: " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)" (القلم)

العبادات والأخلاق:
·       والعبادات التى شرعتت فى الإسلام واعتبرت أركاناً لهذا الدين ليست طقوساً مبهمة تربط الإنسان بالغيوب المجهولة وتكلفه أداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها.. كلا.. وإنما هى علاقات لطيفة بين العبد وربه ومعاملات راقية بين المؤمن ومن حوله.
o     الصلاة:
§       فالصلاة والواجبة أبان الله سبحانه الحكمة من إقامتها: قال عز وجل: "..وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..(45)" (العنكبوت)
§       وفى الحديث القدسى الذى أخرجه البزار رحمه الله تعالى بسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يقول الله تعالى: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ولم يتعاظم على خلقي وكف نفسه عن الشهوات ابتغاء مرضاتي فقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على خطيئة يطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم الضعيف ويأوي الغريب فذلك الذي يضيء وجهه كما يضيء نور الشمس يدعوني فألبي ويسألني فأعطي ويقسم على فأبر قسمه أجعل له في الجهالة علما وفي الظلمة نورا أكلأه بقوتي وأستحفظه ملائكتي فمثله عندي كمثل الفردوس في الجنان لا تيبس ثمارها ولا يتغير حالها"

o     الزكاة:
§       والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هى غرس لمشاعر الحنان والرأة وتوطيد العلاقات بين شتى الطبقات.
§       قال الله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)" (التوبة)
§      وقد وسّع النبى صلى الله عليه وسلم مفهوم الصدقة، ففى الأدب المفرد للإمام البخارى رحمة الله عليه عن عن أبي ذر يرفعه قال ثم قال بعد ذلك لا أعلمه إلا رفعه قال : إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس لك صدقة وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة
o     الصيام:
§       وكذلك شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة.
§       وإقراراً لهذا المعنى، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم" (أخرجه الحاكم فى المستدرك على شرط مسلم)
o     الحج:
§       قد يظن المرء أن السفر إلى البقاع المقدسة رحلة مجردة عن المعانى الخلقية.. كلا.. يقول عز وجل عن هذه الشعيرة: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ.. (197)" (البقرة)
·       إنها عبادات متباينة فى جوهرها ولكنها تلتقى عند الغاية التى رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

ضعف الخُلُق دليلُ ضعف الإيمان:
·       حسن الخُلُق دليل الإيمان.
·       فالرجل الذى يؤذى جيرانه يخبر عنه النبى صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ" (أخرجه البخارى رحمه الله)
·       وفى المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلى الله عليه و سلم إن فلانة تصوم النهار و تقوم الليل و تؤذي جيرانها بلسانها فقال : لا خير فيها هي في النار قيل : فإن فلانة تصلي المكتوبة و تصوم رمضان و تتصدق بأثوار من إقط و لا تؤذي أحدا بلسانها قال : هي في الجنة.
·       وأخرج البخارى ومسلم رحمهما الله تعالى بسنديهما ن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)
·       وأخرج ابن حبان رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (أتدرون من المفلس ؟) قالوا : المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقعد فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يعطي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
·      وأخرج البخارى بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"
·       كل ذلك وأكثر يبين لنا أهمية الأخلاق فى الإسلام وأن الدين المعاملة، وأن المؤمن الحق لاينفك عن خلق حسن.

الأخلاق الحسنة من أجل القربات إلى الله تعالى:
·       أخرج الحاكم فى المستدرك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"
·       وفى شُعب الإيمان للبيهقى رحمه الله تعالى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ "

خُلقُ الوفاء:
·       إذا أبرم المسلم عقداً فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهداً فيجب أن يلتزمه..
·       والعهود التى يرتبط المسلم بها درجات، فأعلاها مكانة العهد الأعظم الذى بين العبد وربه ثم ما كان بينه وبين الناس:
o     قال الله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)" (الأعراف)
o     وقال تعالى: "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)" (يس)
o     وقال سبحانه صدر سورة المائدة وهى من أواخر ما نزل من القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.. (1)" (المائدة)
o     وقال عز وجل: "..وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا..(152)"  (الأنعام)
o     وقال عز سلطانه: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)" (النحل)
o     وقال جل شأنه: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)" (البقرة)
·       وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذ العهد والبيعة ممن أسلم..
o     أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ » وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ». فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ».قَالَ فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلاَمَ نُبَايِعُكَ قَالَ « عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.
o     وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة من الأنصار بيعة العقبة الأولى والثانية على أن ينصروه ويمنعوه فى المدينة، فلما كان يوم بدر قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : "وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَجَلْ قَالَ فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك ، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا ، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ" (مختصر سيرة ابن هشام)
صور من وفائه صلى الله عليه وسلم:
·       كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس وفاء قاطبة..
o     عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، فَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: "يَا فَتَى شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَا هُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ" (أخبار مكة للفاكهى)
o     ومن وفائه صلى الله عليه وسلم أن كفل علياً ابن عمه أبى طالب وفاء لصنيع أبى طالب به أن كان صغيراً ودفاعه عنه أذى قريش كبيراً.
o     روى ابن أبي مليكة عن عائشة قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من أنت " قالت : أنا جثامة المزنية قال : " بل أنت حسانة كيف حالكم كيف كنتم بعدنا " قالت : بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله . فلما خرجت قلت : يا رسول الله تقبل على هذه العجوز كل هذا الإقبال ! قال : " إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان " (أسد الغابة)
o     ووفائه صلى الله عليه وسلم بأم أيمن وهى مولاته وحاضنته فكان يقول: أم أيمن أمى بعد أمى، وزوجها من زيد بن حارثة المذكور فى القرآن الكريم، وهى من أوائل المسلمين والمهاجرين إلى الحبشة وكانت تبكى لوفاة النبى صلى الله عليه وسلم. وكان يزورها أبو بكر وعمر وفاء برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
o     ولما جيئ له بالشيماء وهى أخته من الرضاعة أكرمها صلى الله عليه وسلم وبسط لها ردائه وخيرها بين المقام وبين الذهاب.
o     كما أكرم ابنة حاتم الطائى وبسط لها ردائه وقال: "خلوا عنها فإن أباها كانا يحب مكارم الأخلاق و الله يحب مكارم" (شعب الإيمان)
o     كما كان صلى الله عليه وسلم وفياً بأهله جمعهم قائلاً: "إن الرائد لا يكذب أهله. والله لو كذبت الناس جميعاً، ما كذبتكم، ولو غررت الناس، ما غررتكم والله الذي لا إله إلا هو، إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة، والله، لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءً. وإنها للجنة أبداً. والنار أبداً. وأنتم لأول من أنذر" (أنساب الأشراف)
o     وغير ذلك كثير جداً مما لا اتساع لذكره..

ومن صور الوفاء:
الوفاء للوالدين:
·       قال الله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)" (الإسراء)
·      وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ قَالَ بَلَى. فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ - قَالَ - اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِىَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّىَ ». وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ. (أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى)
·       كان أبو هريرة رضى الله عنه باراً بأمه، وكان من بره بها: اصطحابه لها في الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مشركة، رجاء أن تؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد حقق الله تعالى رجاءه حيث أجاب النبي صلى الله عليه وسلم طلبه بالدعاء لأمنه فآمنت، وفرح بذلك فرحاً شديداً أبكاه كما مرّ.
وكان من بره بها أيضاً، ما روي عنه أنه قال: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد، فوجدت نفراً، فقالوا: ما أخرجك؟ قلت: الجوع، فقالوا : ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع، فقمنا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما جاء بكم بهذه الساعة"؟، فأخبرناه فدعا بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين، فقال: "كلوا هاتين التمرتين، واشروا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا"، فأكلت تمرة، وخبأت الأخرى، فقال: "يا أبا هريرة لم رفعتها"؟، قلت: لأمي. قال: "كلها فسنعطيك لها تمرتين".
ومن برّه بها، ما روي عن ابن شهاب الزهري: أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها. (طبقات ابن سعد)

الوفاء لأهل الخير:
·       وفى الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىِّ فِى سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِى فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَفْعَلْ. فَقَالَ إِنِّى قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا آلَيْتُ أَنْ لاَ أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ خَدَمْتُهُ. زَادَ ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ فِى حَدِيثِهِمَا وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ أَسَنَّ مِنْ أَنَسٍ.

الوفاء بالكيل والميزان:
·       قال الله تعالى: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)" (الإسراء)
·       بل توعد سبحانه المطففين: "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)" (المطففين)
الوفاء بالنذر:
·       قال تعالى فى شأن الحجيج: " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)" (الحج)
·       وقال عز جاهه مادحاً عباده المؤمنين : "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)" (الإنسان)

* * *

الوفاء قيمة إنسانية عظيمة وخلق كريم اتصف به الأنبياء والمرسلون،
كما وصف الرحمن خليله إبراهيم عليه السلام قائلاً:
"وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)" (النجم)
وكذلك الصالحون عبر السنين والأزمان،
جعلنا الله من عباده الموفين،
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسوله الكريم

المراجع:
·       القرآن الكريم            كتاب رب العالمين سبحانه وتعالى
·       كتب سيرة وسنة النبى الشريف        صلى الله عليه وسلم
·       خلق المسلم، للشيخ محمد الغزالى رحمه الله تعالى.
·       قيم أخلاقية، للشيخ محمد سيد أحمد المسير رحمه الله تعالى.

(الراجى عفو ربه: محمود الشاعر، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين)

0 التعليقات:

إرسال تعليق