الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

فضيلة التواضع

بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة التواضع
·   إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
·   وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على النبى وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
·       يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.
·   يا آيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.
·   يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.

أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.

إخوة الإسلام.. عباد الله..
معنى التواضع وفضله:
·       التواضع هو الخشوع لله، وخفض الجناح ولين الجانب للناس، وقبول الحق ممن قاله أياً كان.
·       ومن كان كذلك رفع الله قدره فى القلوب، وطيب ذكره فى الأفواه، ورفع درجته فى الآخرة.
·       وأما التواضع لأهل الدنيا، ولأهل الظلم والمفاسد، فذاك الذل الذى لا عز معه، والخيبة التى لا رفعة معها، بل يترتب عليه ذل الآخرة.
·       إن التواضع من خير الخلال وأحمدها وأحب الخصال إلى الله تعالى وإلى الناس، وهو موجبٌ للرفعة وباعث على التآلف ومحقق للحب والود بين الناس.
·       وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتواضع للمؤمنين فقال سبحانه: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)" (الشعراء)
·       وبيّن سبحانه أن ذلك من أسباب جمع القلوب: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)" (آل عمران)
·       أخرج الإمام أبو داود بسنده عن عياض بن حمار أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد " . قال الشيخ الألباني : صحيح
·       كما أخرج الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ».
·       وقد امتدح سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم عباده المخلصين .. عباد الرحمن.. قال عز من قائل: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)" (الفرقان).. فأول سمات عباد الرحمن أنهم يمشون هينين لينين، يمشون بسكينة ووقار، من غير كِبر ولا مخيلة، لايستعلون على أحد، ولاينتفشون ولا ينتفخون، لأنهم يعلمون أن الكبرياء لله وحده، وأنهم إنما خلقوا من الأرض وإليها عائدون.. قال تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)" (طه)
·       وفى الحديث القدسى: الذى أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعِزَّةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أُلْقِيهِ فِي النَّارِ.
·       وقد جاء وصف النبى محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فى التوراة بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، قال تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ...(29)" (الفتح)
·       كذلك فى قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)" (المائدة)

المثل الأعلى فى التواضع:
·       رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)" (الأحزاب)
·       فقد ضرب لنا أروع المثل فى التواضع ولين الجانب والرفق والرحمة بالأصحاب والضعفاء والمساكين والمحتاجين والأطفال..
·       أخرج الإمام البخارى بسنده عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ قَالَتْ كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ.
·       وفى طبقات ابن سعد فى وصف مجلسه صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطة وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا في الحق عنده سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون أو يحوطون الغريب. قال قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يدنس منه ولا يجنب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، ومما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث، كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده..
·       وفى شُعب الإيمان: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا"
·       وجاء فى موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
o     وذكر المحب الطبري أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل يا رسول الله، علي ذبحها
        وقال آخر يا رسول الله، علي سلخها
        وقال آخر يا رسول الله، علي طبخها
        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي جمع الحطب.
        فقالوا يا رسول الله، نكفيك العمل
        فقال صلى الله عليه وسلم قد علمت أنكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز      عليكم
o     وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يعود المريض ويشهد الجنازة ويأتي دعوة المملوك ويركب الحمار، ولقد رأيته يومًا على حمار خطامه ليف - رواه أبو داود والطيالسي ونحوه عند الترمذي وابن ماجه.
o     وكان صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير
o     وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب - رواه الترمذي في الشمائل
o     وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان صلى الله عليه وسلم لا يدفع عنه الناس ولا يضربوا عنه - رواه الطبراني في الكبير وحسنه السيوطي وذلك لشدة تواضعه صلى الله عليه وسلم وبرأته من الكبر والتعاظم
o     وعن الحسن قال والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا تقوم دونه الحجاب، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان باروزًا، من أراد أن يلقى نبي الله لقيه.
o     وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنطلق به حيث شاءت .
o     وكان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم ، ويمسح رؤوسهم .
o     وكان لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه ، وسكت .
o     وكان يأتي ضعفاء المسلمين ، ويزورهم ، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم .
o     وكان يتخلف في المسير ، فيُزجى الضعيف ، ويُردف ويدعو لهم.(يزجي : يسوق الضعيف ليلحق بأهله ، يُردف : يُركب خلفه) .
·       وقد أخرج الإمام البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ.
·       وفى الطبقات الكبرى لابن سعد عن قيس بن أبي حازم أن رجلاً أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه فأخذه من الرعدة أفكل فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هون عليك فإني لست بملكٍ إنما أنا بن امرأةٍ من قريشٍ كانت تأكل القديد.
·       وكذا فى الطبقات أيضاً: وأثر الحصير في جنبه فلما رأى ذلك عمر ذرفت عيناه فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر؟ قال: يا رسول الله كسرى وقيصر عدوا الله يفترشان الديباج والحرير وأنت نبيه وصفيه وليس بينك وبين الأرض إلا الحصير ووسادة محشوة ليفا! وعند رأسه أهبة فيها ريح. فقال رسول الله: أولئك عجلت لهم طيباتهم.
·       وفى فقه السيرة للإمام الغزالى رحمه الله تعالى: واشترك الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى حمل اللبنات والأحجار على كواهلهم. وكانوا يروحون عن أنفسهم عناء الحمل والنقل والبناء.. بهذا الغناء: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة!! وقد ضاعف حماس الصحابة فى العمل رؤيتهم النبى صلى الله عليه وسلم يجهد كأحدهم، ويكره أن يتميز عليهم، فارتجز بعضهم هذا البيت: لئن قعدنا والرسول يعمل لذاك منا العمل المضلل!!
·       كما أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابًّا - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - فَقَالُوا مَاتَ. قَالَ « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِى ». قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ - فَقَالَ « دُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِى عَلَيْهِمْ ». (تقم : تجمع القمامة)

صلى عليك الله ما هبت النسائم وناحت على الأيك الحمائم،



المصادر والمراجع:
·       القرآن الكريم                                  كتاب رب العالمين
·       سيرة وسنة النبى العظيم                       المكتبة الإلكترونية الشاملة
·       رياض الصالحين                               الإمام النووى
·       التاج                                           منصور على ناصف
·       دعوة الإسلام                                  السيد سابق
·       عظمة الرسول                                 محمد عطية الإبراشى
·       النبوة المحمدية                                  محمد سيد أحمد المسير
·       خطب الشيخ القرضاوى                      يوسف القرضاوى

(الراجى عفو ربه سبحانه وتعالى: محمود الشاعر   غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين)

0 التعليقات:

إرسال تعليق