بسم الله الرحمن الرحيم
الحَسَد .. من أمراض القلوب
· إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
· وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على النبى وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
· يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.
· يا آيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.
· يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
إخوة الإسلام.. عباد الله..
أمراض القلوب:
· إن الإنسان ذلك المخلوق.. ليتكون من مادة وروح، من بدن وقلب معنوى.. ولكلٍ ما يمرضه ويشفيه..
· قال الله تعالى فى شأن المنافقين: "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)" (البقرة)
· وقال عز وجل: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)" (الأحزاب)
· إذاً فالقلب يمرض ويعتل، كما أن الجسد يمرض، لكن المعول عليه هو القلب، فقد يمرض الجسد ويدخل صاحبه الجنة، ويكون مقرباً عند الله تعالى ، أما مرض القلوب والعياذ بالله فهى العلل الجسام الفتاكة التى تودى بصاحبها وتورده المهالك.
· واستمع إلى خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حينما دعا الله سبحانه قائلاً: "وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)" (الشعراء)
· والقرآن أنزله الله شفاء ورحمة لما فى الصدور، قال تعالى: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)" (الإسراء) ولكن لابد من ترك جهاز الاستقبال صالحاً للتلقى دون التشويش عليه.
· وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)" (يونس)
· ومرض القلب هو نوع فساد يحصل له، يفسد به تصوره وإرادته، فتصوره بالشبهات التى تعرض له حتى لا يرى الحق، أو يراه خلاف ما هو عليه، بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار، كالشك والريب، كما فسر مجاهد وقتادة قوله تعالى: "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" أى شك، وتارة يفسر بشهوة الزنا، كما فسر به قوله تعالى: "فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ"
· ومن أمراض القلوب: الحسد، الهوى، البخل، العشق، العُجب، والرياء، الشك، البغض والكراهية، سوء الظن، العجز، الكسل، الجبن... إلخ..
· والإسلام يعمل على علاج الصدور، كما ينمى نشاط الأبدان، ففيه النفع كله، وإذا دققت النظر فى الشرائع والعبادات والأخلاق والمعاملات الإسلامية الراقية.. تجدها تنأى بالمرء عن مثل هذه الأدواء..
داء الحسد:
· إنه تمنى زوال النعمة عن المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها
· وهذا بخلاف الغِبطة فإنها تمنى مثلها، من غير حب زوالها عن المغبوط، فقد أخرج البخارى رحمه الله تعالى بسنده عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا.
· والذى نعنيه هنا هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود.
· كذلك فليس هو المنافسة، فالمنافسة ليست مذمومة مطلقاً، بل التنافس فى أمور الخير محمود، قال تعالى: "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)" (المطففين)
· وقد نافس عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبا بكر رضى الله عنه الإنفاق كما ثبت فى الصحيح عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندى، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال فجئت بنصف مالى، قال فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر رضى الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شئ أبداً". فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة.
سلامة الصدر .. سبيل الجنة:
· ففى شُعب الإيمان: عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنْطُفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ وَقَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ صَرَّتِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالَتِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ فَعَلْتَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ: بَاتَ مَعَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، قَالَ: فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا . قَالَ: فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلُهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلَا هِجْرَةٌ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَطْلُعُ الْآنَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ، فَأُنْظِرَ مَا عَمَلُكَ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا تُطَاقُ ".
· وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار، فقال سبحانه: " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)" (الحشر) أى مما أوتى المهاجرون. ثم قال بعضهم: من مال الفئ. وقيل من: الفضل والتقدم، فهم لا يجدون حاجة مما أوتوا من المال ولا من الجاه، والحسد يقع على هذا.
· وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين، فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند الله ورسوله أحب الآخرون أن يفعلوا نظير ذلك، فهو منافسة فيما يقربهم إلى الله تعالى، كما قال: ".. وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)" (المطففين)
· وأما الحسد المذموم كله، فقد قال تعالى فى حق اليهود: " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .. (109)" (البقرة): يودون أى يتمنون ارتدادكم حسداً، فجعل الحسد هو الموجب لذلك الود، من بعد ما تبين لهم الحق، لأنهم رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل – بل لم يحصل لهم مثله – حسدوكم.
· وكذلك الآية الأخرى: " أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)" (النساء) والناس هنا: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· وقال تعالى: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)" (الفلق) وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها نزلت بسبب حسد اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم حتى سحروه، سحره لبيد بن الأعصم اليهودى.
· فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد.
· وكان المحسود مظلوماً مأموراً بالصبر والتقوى، فيصبر على أذى الحاسد، ويعفو ويصفح عنه، كما قال تعالى: "وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)" (البقرة)
صور من الابتلاء بالحسد والحاسدين:
يوسف عليه السلام:
· وقد ابتُلى يوسف عليه السلام بحسد إخوة له حيث قالوا: " لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)" (يوسف) فحسدوهما إذ ظنوا تفضيل الأب لهما، ولهذا قال يعقوب ليوسف: "لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)" (يوسف) ثم إنهم ظلموه بتكلمهم فى قتله، وإلقائه فى الجُبِّ، وبيعه رقيقاً لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكاً لقوم كافرين. ثم إن يوسف ابتلى – بعد أن ظُلم – بمن يدعوه إلى الفاحشة ويراوده عليها ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك، فاستعصم، واختار السجن على الفاحشة، وآثر عذاب الدنيا على سخط الله عز وجل، فكان مظلوماً من جهة من أحبه لهواه وغرضه الفاسد. ثم إنه صبر على كل ذلك، ولهذا قال تعالى: "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)" (يوسف)
النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم:
· وهكذا إذا أوذى المؤمن على إيمانه وطُلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان، فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه، إما الحبس وإما الخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين حين اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يعذبون ويؤذَون.
· وقد أوذى النبى صلى الله عليه وسلم بأنواع الأذى، فكان يصبر عليها صبراً اختيارياً، فإنه إنما يؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره، وكان هذا أعظم من صبر يوسف، لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة، وإنما عوقب إذا لم يفعل بالحبس، والنبى صلى الله عليه وسلم أصحابه طلب منهم الكفر، وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه، وأهون ما عوقب به الحبس، فإن المشركين حبسوه وبنى هاشم بالشِعْب مدة، ثم لما مات أبوطالب اشتدوا عليه، فلما بايعت الأنصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الخروج، ويحبسونه هو وأصحابه عن ذلك، ولم يكن أحد يهاجر إلا سراً، إلا عمر بن الخطاب ونحوه، فكانوا قد ألجأووهم إلى الخروج من ديارهم، ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه. فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله.. قال تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)" (التوبة)
· بخلاف المصائب التى تجرى بلا اختيار العبد كالمرض وموت العزيز لديه، وأخذ اللصوص ماله، فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليها.
· والمقصود أن الحسد مرض من أمراض النفس، وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس، ولهذا يقال: ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه.
· وكثيراً ما يكون من النساء وخاصة الزوجات لزوج واحد، فإن المرأة تغار على زوجها لحظها منه، فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها.
· وكثيراً ما يكون بين المتشاركين فى رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطاً من ذلك وفات الآخر.
· ويكون بين النظراء لكراهة أحدهم أن يفضل على الآخر عليه كحسد إخوة يوسف، كحسد ابنى آدم أحدهما لآخيه.
ما حصل لأحد ابنى آدم من أخيه:
· فإن حسده لكون أن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان هذا ، فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى كحسد اليهود للمسلمين، وقتله على ذلك.
· ولهذا قيل أول ذنب عُصى الله به ثلاثة، الحرص والكبر والحسد، فالحرص من آدم، والكبر من إبليس، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل.
· قال الله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)" (المائدة)
من هدى النبوة:
· أخرج الإمام البخارى بسنده عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.
· وفى صحيح الإمام مسلم بسنده مرفوعاً: «لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ».
· وفى سنن الترمذى بسنده عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم"
قال الشيخ الألباني : صحيح
هدانا الله سواء السبيل،
المصادر والمراجع:
· القرآن الكريم كتاب رب العالمين
· كتب السنة والسيرة العطرة المكتبة الشاملة
· أمراض القلوب وشفاؤها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
(الراجى عفو ربه سبحانه وتعالى: محمود الشاعر غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين)
0 التعليقات:
إرسال تعليق