الأحد، 24 يوليو 2011

الشورى وبناء الأمة


بسم الله الرحمن الرحيم
الشورى وبناء الأمة


·   إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
·   وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على النبى وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
·       يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.
·   يا آيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.
·   يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.

أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.

إخوة الإسلام.. عباد الله..
الإسلام حركة حياة:
·       الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله..
·       هدانا الله سبحانه إلى هذا الدين الحق دين الإسلام، الذى يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجه من الظلمات إلى النور.
·       ليس سعادة فى الآخرة وجنات فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر فحسب فى الآخرة، بل جنات فى الدنيا أيضا.
·       فالمتبعون لهدى السماء يسعدون فى الدنيا، كيف..
·       لأن الإسلام هو حركة حياة، يهدى الناس فى الدنيا إلى انتظام حياتهم واستقرارها ونموها وقوتها وسعادتها..
·       من هنا.. فقد عمل الإسلام على بناء المجتمع الفاضل المسلم، وأرسى دعائمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خطت أقدامه الشريفة المدينة المنورة زادها الله بهاء وعطرا.
·       ومن أعظم هذه الدعائم وكلها عظيم هو الشورى.

اهتمام القرآن الكريم بالشورى:
·       نرى اهتمام القرآن الكريم بالشورى كملمح أصيل فى الدولة الإسلامية وصفة ركيزة من صفات المؤمنين المخلصين.. يقول سبحانه واصفاً عباده المؤمنين: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)" سورة الشورى
·       ويقص القرآن الكريم علينا قصصا حية نتعرف فيها على جوانب من حياة الشورى وكيف تؤدى بالمجتمعات إلى النهضة والرقى..
o     فى قصة ذى القرنين، هذا الملك العادل المؤمن الذى آتاه الله من كل شئ سببا فأتبع سببا..
§       وكان نهجه القويم: "قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)" الكهف
§       وكان من عدله أنه يتفقد رعيته: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)" الكهف
§       والشاهد أنه سمع مقولتهم وعمل على تنفيذ أحلامهم وجعلهم شركاءه فى المسئولية والعمل على إنهاض الأمة وعلاج مشكلاتها.
o     قصة أخرى من قصص القرآن الكريم تجسد أمر الشورى.. وهى قصة سليمان عليه السلام..
§       فى هذه القصة نرى كيف يخاطب الهدهد وهو مخلوق صغير أعظم ملك عرفته الإنسانية..
§       حينما تفقد سليمان جنده، "وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)" النمل
§       انظر كيف يخاطب الهدد الملك بما يوحى كيف كانت بيئة عادلة يحق لأصغر أعضائها المشاركة فى شئونها العظيمة.
§       وفى هذه المملكة الكبيرة مملكة سبأ نرى سراً من أسرار قوتها.. حين تقول ملكتهم للملأ "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)" النمل
o     وفى تكوين المدينة الفاضلة يخاطب المولى عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)" (آل عمران)

الشورى فى مواقف من السنة الشريفة:
·       قبيل غزوة بدر.. حينما جاء الخبر بفرار أبى سفيان بالعير.. وكان الموقف حرجاً.. فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم المشورة من الناس.. أشيروا على أيها الناس.
·       ونزل النبى صلى الله عليه وسلم على رأى الحُباب بن المنذر فى موضع نزول الجيش ببدر.
·       كذلك قبيل غزوة أحد.. رأى النبى صلى الله عليه وسلم رؤيا فى منامه، أولها بأنه من الأصوب أن يظل المؤمنون بالمدينة ويتترسوا بها ويقيموا الحصون وينتظرون الجيش القادم من الجنوب حتى يدفعوه عن المدينة بما يستطيعون..
o     فكان أن استشار النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين فى ذلك فأشاروا بأن يخرجوا لمقلاقاة الأعداء خارج المدينة.
o     فنزل النبى صلى الله عليه وسلم على رأيهم.. ودخل ولبس لأمته وخرج إلى الناس..
o     فشعر المسلمون بالندم وأنهم قد أكرهوا النبى صلى الله عليه وسلم على أمر لايريده.. فطلبوا منه أن يعود إلى رأيه.. فقال: ما كان لنبى لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه.
·       كما أخذ بمشورة أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها فى صلح الحديبية بأن يدعو حالقه.. فإذا فعل فعل الناس، فكانت نعم المشورة.

فيم تكون الشورى:
·       الشورى هى صورة من صور الاجتهاد الجماعى، وبالتالى فهى لاتكون إلا فى المسائل التى ليس فيها نص صريح صحيح من الوحى الشريف.
·       وهنا يبرز الفرق بين الشورى فى الإسلام والديمقراطية.



الفرق بين الشورى فى الإسلام والديمقراطية:
·       كما عرفنا فإن الشورى تكون فى غير الثوابت، فمثلاً لايجوز أن نقيم استفتتاء فى هل نطبق الشريعة أو لا، أو هل نبيح الخمور فى الملاهى أو لا؟
·       بينما الديمقراطية هى حكم الشعب أياً كان هذا الحكم فالدولة ملزمة به، بصرف النظر هل يتعارض مع ثوابت الإسلام أو لا.
·       كذلك الليبرالية وهى مذهب رأسمالى يعنى الحرية حرية أى شئ طالما الجماهير تريد ذلك فلا ضير.
·       ولذلك نرى دولا تقيم عيداً للشواذ لأنهم قد أقروا ذلك.

ممن تكون الشورى:
·       ليس كل أحد هو أهل للمشورة.. قال تعالى: ".. فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)" النحل
·       فهناك أهل الحل والعقد وهو الحكماء والعلماء وأصحاب الخبرة والرأى، وهذا ما يعرف بالبيعة الخاصة، ثم تكون البيعة العامة بين الناس جميعاً.
·       إذاً لابد من البيعة الخاصة أولاً، لأن الناس غالباً ليسوا مؤهلين بالدرجة.

فوائد الشورى:
·       ما خاب من استخار وما ندم من استشار.. حكمة عظيمة فاستخارة الله سبحانه أى طلب الخير منه عز وجل هو قمة التوكل عليه..
·       فقد سن لنا النبى صلى الله عليه وسلم الاستخارة وهي: أن يصلي المؤمن ركعتين من غير الفريضة ويقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عنى واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، ويسمي حاجته. ويفعل أو يترك ما عزم عليه، والذي يأتيه هو الخير بإذن الله تعالى.
·       وفوائد الشورى عظيمة ومنها:
o     أنها تضع كل فرد فى الأمة فى موضع المشاركة والمسئولية فى اتخاذ القرار.
o     ثم هو فى موضع المشاركة والمسئولية فى تنفيذ هذا القرار.
o     أنها تشعر الفرد مهما كان بأهميته ومشاركته.
o     أنها تنزع فتيل التفرقة بين الحاكم والمحكوم.
o     أنها تأتى بعبقريات واقتراحات مدهشة مما يكون فيه الخير الكثير.
o     تعمل على وحدة الصف المسلم.

ماذا بعد المشورة:
·       لايكون بعد المشورة إلا العزيمة، قال تعالى: ".. وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)" (آل عمران)
·       ولا يقبل بعد المشاورة أى مبادرة أخرى تهدف إلى إجهاض تلك العزيمة، ولقد تجلى ذلك كما رأينا فى موقف النبى صلى الله عليه فى سلم فى غزوة أحد.

والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الكريم
وآله وصحبه أجمعين،،
المصادر والمراجع:
·       القرآن الكريم                          كتاب رب العالمين
·       كتب السنة                             المكتبة الشاملة
·       الشورى وبناء الأمة                    خطبة للشيخ مرسى بسيونى

 (الراجى عفو ربه سبحانه: محمود الشاعر غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين)

0 التعليقات:

إرسال تعليق